لم تحتاج (داليا) لكثير دلال أو تكي رأس، لتبين لأسرتها موافقتها الأولية والشكلية على (ياسر) كعريس، فهو وسيم وقسيم ويعمل في وظيفة صغيرة ولكن لها مستقبل، بالاضافة لامتلاكه لناصية الحنك واكل الراس بمعسول الكلام، أو هذا ما تبين لها من بعض لقاءات جمعت بينهما قبل تقدمه لخطبتها، فقد جمعت بين الاسرتين جيرة لفترة وجيزة قبل اكثر من عقدين من الزمان، وقد كان ابناء الاسرتين اطفالا يلعبون معا في الشارع، قبل ان تفرقهم كشوفات التنقلات بين بيوت الايجارات ..
لاكثر من عشرين عاما لم تلتق (داليا) برفيق لعبها الطفولي، ثم كان اللقاء الذي جمعهما صدفة عندما ساقتها اقدام القسمة لتقديم أوراقها بعد التخرج للعمل بالمؤسسة التي يعمل بها (ياسر) في شئون العاملين .. لم توفق في الانتساب للعاملين بتلك المؤسسة ولو كـ (ترينّي)، ولكنها خرجت منها برقم موبايل (ياسر)، فقد استطاعا ان يميزا بعضهما البعض، وانساب بينهما حديث سلس لذكريات طفولة، فيها الكثير من المشاغبات والمساككات والدسوسية .. ذكّرته مناكفة كيف كان يطارده أشقاؤه الأكبر بفرشاة الأسنان صباحا ليستاك، بينما يطلق ساقيه للريح هربا منهم الى زقاقات الحي حتى ييأسوا منه، فيعود ليشرب الشاي بـ (بقايا النوم الجرثومية)، فاغاظها عندما ذكّرها بشعرها المنكوش وضفيرتيها الطائرتين كأذني الأرنب !!
اذن، أعطت (داليا) موافقتها المبدئية على (ياسر) دون تحفظ ، وانتقلت إجراءات (الشورة) لمرحلة (النبش) و(التشمم) عن سيرته وما كان من اخبار عنه وأسرته، وما فعلته بهم الدنيا خلال تلك الفترة التي لم يحظوا فيها برؤياهم الغالية ..
حتى لا تتهم بشيل وش القباحة او قطع النصيب أو حتى الحسادة، تلجأ الاسر السودانية للتهرب من الاجابة صراحة عن رأيها في فلان، عندما تبدأ عيون اهل العروس في التنقيب ورائه .. لذلك أو لأي سبب آخر، أحجم كل من سأله مرسال والد (داليا)، عن ممارسة فضيلة (الجرح والتعديل) في حق (ياسر) واكتفى بالقول انهم لا يعرفون عنه وعن اسرته إلا كل خير ..
تم الزواج كأحلى ما يكون، وانتقل العروسان ليقيمان في احدى شقق البناية المكونة من طابقين، والتي انفق فيها والد (داليا) كل مدخراته من سنين خدمته الطويلة، وجعل من تأجيرها (نقاطة) تعينه على المصاريف بعد إحالته للمعاش، ولكن لم يتردد لحظة في ان يخص ابنته باحدى شققها لتؤمن لها مع عريسها بداية مريحة بعيدا عن هموم الايجارات ..
رغم ان الكثير من (عوارات) وعيوب (ياسر) كشفت لـ (داليا)، منذ الاشهر الاولى للزواج، ولكن ممارسة الطبطبة والتغاضي والسكوت عن المشاكل، وخوفا من شماتة العزال وكثرة القيل والقال، جعلتها ترضى بالتعايش مع حظها المائل حتى صارت أمّا لابنتين، فقد كشف (ياسر) عن جانب مظلم من شخصيته .. كان أنانياً حقوداً طويل اليد واللسان، ولم يكن يحمل ذرة من الشعور بالمسئولية، فترك هم الصرف عليه وعلى أسرته الصغيرة على نسابته، حتى انه لم يكن يجد غضاضة في ان يأخذ من محفظة زوجته (حق السجاير) ومصروف الجيب، بينما حجب عنها مرتبه بحجة انه يعين به اسرته المحمولة .. ومن جانب آخر لم تمنعه تلك الخمالة والتواكل ممارسة طول العين على جاراته وصديقات زوجته بل حتى قريباتها دون ان تعلم ..
الغريبة ان كل الـ (المستخبي) انكشف وبان، عندما أعلنت (داليا) للجميع، بأنها قررت أن تضع نقطة لعلاقتها بـ(ياسر) وتبدأ بـ سطر جديد، تربي فيه ابنتيها بعيدا عن تأثيره المدمر عليها وعليهن .. حدثتها احدى الجارات كيف ان زوجها كان يطارد بنات الحلة ولم تسلم واحده فيهن من (مشاغلته) .. حكى لابيها جار قديم لهم بأنه كان عاقا لوالديه مخاصما لاقربائه مسيئا لجيرانه بالقول والعمل، وعندما لامت أمها بعض زائراتها من حاملات الاخبار وسألتهن عن لماذا أخفيتن عنا كل ذلك عندما سألناكن عنه قبل الزواج، جاءتها الاجابة:
قلنا ما نقطع النصيب .. يمكن الله يهديهو !!
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]