الصادق الرزيقي : لماذا نرفض هذه الزيارة؟

[JUSTIFY]ما المانع وماذا يضير، لو اعتذرت الخرطوم الرسمية، عن استقبال وزير خارجية المجموعة الانقلابية في مصر؟ فهي زيارة ليس لها ما يبررها في هذا الوقت وأيدي السلطة الانقلابية ملوثة بدماء الشعب المصري في مجازر لم يسبق لها مثيل في التاريخ.. ولا تعوز الحكومة أية تبريرات تحول دون إتمام الزيارة، مع العلم أن الدول المؤيدة للانقلابيين في جوار مصر العربي وفي الخليج العربي، لم تستقبل حتى اللحظة مسؤولاً بهذا المستوى في بلدانها رغم مواقفها المعلنة المؤيدة والمليارات من الدولارات التي دفعت للقاهرة والوعود التي تنهال على الحكومة التي جاءت على ظهور دبابات العسكر.
الخطير في هذه الزيارة لوزير الخارجية الذي يمثل سلطة غير شرعية، أن السودان قدم هدية مجانية للانقلابيين واعترافاً بشرعيتهم، وزاد أكثر من ذلك في إصرار وزير الخارجية علي كرتي بأن ما يحدث في مصر شأن داخلي!! مكرراً نفس العبارة التي صدرت في الثالث من يوليو الماضي حين عُزل الرئيس المنتخب د. محمد مرسي.

ولو كانت الأمور في مصر وإزاحة الرئيس الشرعي مرسي قد تمت بانقلاب أبيض ولم تلحقه أحداث لطخت المشهد كله بدماء الشعب المصري، لكان الأمر أخفَّ ضرراً، لكن أن تكون الزيارة من أجل جعل الخرطوم منصة يعلن فيها وزير الخارجية المصري غير الشرعي، عن مواقف الانقلابيين ووجهة نظرهم ويطلب وساطة السودان لدى الاتحاد الإفريقي بإلغاء قراره بتجميد عضوية مصر فيه، ويدعي أنه جاء برسالة واضحة للسودان، فهو أمر غير مقبول على الإطلاق.
إذا كانت السياسة هي فن الممكن، كما تفهمها الحكومة هنا في الخرطوم، وترى أن الممكن الوحيد هو موقفها الحالي بعد أن عجمت عيدانها ومحصت خياراتها، فإن المواقف المبدئية يجب أن تعلو فوق أية اعتبارات أخرى، فإن أرادت الخرطوم أن تتخذ سياسة النأي بالنفس عما يجري في مصر، كما فعلت حكومة نجيب ميقاتي المنصرفة في لبنان بعد الأزمة في سوريا وثورة السوريين ضد نظام بشار الأسد.. فإن الموقف الحالي بكل تداعياته وأبعاده لا توجد فيه منطقة وسطى، فالدماء البريئة وتقتيل شعب بكل هذه القسوة لا يدع مجالاً لغير اتخاذ الموقف الصحيح.. وهو رفض وإدانة وشجب ما يجري بأقوى العبارات.
لقد لقينا من الأنظمة المصرية المتعاقبة نصباً كثيراً، وظل الموقف السوداني طيلة العقود الماضية منذ الاستقلال مسايراً للمواقف المصرية وتوجهاتها، حتى في عهد الإنقاذ ومع وجود خلافات عميقة وبائنة مع القاهرة واحتلال حلايب والاتهام بمحاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك، كنا كما يقال «نعمل ألف حساب» لمصر وأين تقف هي.

لكن الظرف الآن قد اختلف تماماً، ولم يعد بالإمكان السكوت طويلاً أمام هذا القهر والجور والقتل والسحل والدماء المسفوحة.
ونرتكب سواء بوعي أو بدونه، خطأً إستراتيجياً ملفتاً للغاية، فهناك موقف من الاتحاد الإفريقي من الانقلاب في مصر سنكون سبباً في خلخلته وإضعافه، وسيسهم موقفنا الغامض الخائر في جعل النظام الانقلابي يستأسد أكثر ويتعامل بشراسة وعنف أكبر ضد رافضي الانقلاب ومؤيدي الشرعية والتيار الإسلامي في أرض الكنانة.. ويستثمر موقفنا الرسمي وقبولنا زيارة وزير خارجية الانقلابيين في مزيدٍ من التضييق والقهر والتسلط والتنكيل بشعب مصر بعد أن ضمن الانقلابيون صمت جيرانهم جنوباً، واتخذوا من الخرطوم طريقاً لوساطة لتغيير موقف الاتحاد الإفريقي من الانقلاب المصري الذي بموجبه تم تجميد عضوية القاهرة، وإذا ضمنوا هذا تتسع هوامش المناورة السياسية في الخارج وتفتح شهيتهم لتسويق وجهة نظرهم وانقلابهم في المجالين الإقليمي والدولي.
وما يثير العجب والاستغراب كيف لحكومتنا أن تعطي كل شيء بالمجان للسلطة الانقلابية، دون أن تعلن صراحةً ملاحظاتها واشتراطاتها وموقفها من المذابح والمجازر التي ترتكب.. والأعجب والأشد ألماً في النفس هو قول وزير الخارجية: «إن علاقتنا بالرئيس مرسي ومؤيديه كانت علاقة مع حزب كان في السلطة سابقاً»!!
نحن لا نطالب بشيء غير أن نكون مبدئيين مثل كل أحرار العالم الذين رفضوا الانقلاب وأدانوا شنائعه وحمامات الدم التي أقامها ومازال.+
وما دار في داخل الاجتماعات والغرف المغلقة لا يهم كثيراً، فالسلطة الانقلابية في مصر تريد شكل الزيارة الخارجي فقط، فهي زيارة مطلوبة لذاتها وليست لما يُقال فيها!! فلا يحاول أحد أن يقنعنا بأنه في داخل اللقاءات قلنا لهم كذا وكذا وذاك!![/JUSTIFY]

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة
Exit mobile version