منى:هذه الفضيحة الرمضانية .. هذه السقطة الفنية الموسمية تثبت في كل عام أننا شعب ضالته التجديد

لم تعد هنالك فضائية سودانية واحدة تمتلك عقيدة فنية خاصة بها في رمضان .. الكل يريد أن يغني .. بينما يقبع الذين يغنون ويطربون طوال العام، ويدخلون إلى جحور بياتهم في رمضان احترامًا لخصوصية أجواء هذا الشهر الاستثنائي، والوحيد في فضله .. تنتفض القنوات السودانية وتتحزّم وتتلزّم وتهتز وتتمايل وتعرض ..!
تخيل نفسك مكان المشاهد العربي ـــــ أي مشاهد ــــ فكرته عن السودان أنه دولة الصدامية السياسية التي تحدّت مذكرة أوكامبو .. وأنه بلد أسلمة المواجهات السياسية وإن كان مع أمريكا نفسها .. تخيل أنك تشاهد برامج في السودان الذي تُدبّج فيه الخطب، وتُنظَّم المسيرات الهادرة للتنديد بجرائم العدو الصهيوني ولإعلان التضامن مع فلسطين ولبنان وأطفال العراق .. هل هذا هو سودان المشروع الحضاري الذي بدأ عزلته السياسية يومًا بقطيعة عربية/عربية، بسبب رفض حكومته وجود قوات أمريكية على أرض الحرمين ..؟!
إن كنتَ مشاهداً عربياً مطلعًا على معاملات البنوك في العالم العربي، وقرأتَ مثل هذا التقرير، فإن الدهشة ستملأك وأنت تقارن بين أبواب المعاملات الربوية المفتوحة على مصاريعها حينًا، والمواربة أحيانًا في بلاد عربية وإسلامية ـــــ أقل التزامًا بتطبيق الشريعة وأكثر انفتاحًا على الآخر .. ومع ذلك فتلفزتها في رمضان تكاد تقاطع الرقص والغناء ـــــ وبين معاملات البنوك السودانية التي تضيق الخناق على أي شبهة ربا ..؟! هل هذا هو السودان حقًا ؟! .. هل هذا هو ذوق الشعب السوداني .. هل هذه هي عقيدته التلفزيونية في رمضان ؟! .. أم أن الآخر (المنافس وليس المشاهد) هو لعنة التلفزة في مجتمعنا ؟! .. أو لعلها لعنة المحاكاة وإعادة إنتاج نجاحات الآخرين هي التي قادتنا إلى هذا التصنيف المُزري بين فضائيات المسلمين في رمضان ..؟!
الناس يتفكّرون في كتاب الله .. ويبرزون الوجوه الشرعية في شتى معاملات المسلمين عبر برامج هادفة .. بل يجتهدون في صنع الحبكات الدرامية الشيّقة لجذب المشاهد في رمضان .. وذلك أضعف الإيمان .. ونحن نرفع شعار جلسات الطرب والسمر في أوقات ذروة المشاهدة وعلى مدار الساعة .. بل ونشرع في بث الغناء قبل أن يذهب ظمأ المشاهدين وقبل أن تبتل العروق .. ثم نطلب بعد ذلك أن يثبت الأجر ..؟!
هذه الفضيحة الرمضانية .. هذه السقطة الفنية الموسمية .. أثبتت ــــ وتثبت في كل عام ــــ أننا شعب ضالته الابتكار والتجديد .. وآفته محاكاة الموجود وتقليد الجاهز.. وإن كان ذلك على حساب الهُوية الفنية للإغلبية الصامتة ..!
منى أبوزيد:الرأي العام
Exit mobile version