والنزاع القبلي في البلاد خلال السنوات العشر الاخيرة يشابه كرة الثلج التي تبدأ بالتدحرج من اعلى الى اسفل وسرعان ما تصبح جبل جليد يغطي مساحات واسعة، وكذلك يتحول مستصغر الشرر في كثير من الاحيان الى نار تقضي على الاخضر واليابس، وما يحدث بدارفور من اقتتال قبلي بات محل دهشة وتعجب لجهة تسارع وتيرته وارتفاع ضحاياها الى ارقام غير مسبوقة، وفي خضم هذا الجو المشحون بروائح الاسلحة النارية والمعطون بدماء مواطنين سودانيين، تبرز الكثير من الاسئلة الحائرة حول طبيعية هذه النزاعات.. اسبابها.. نتائجها.. تداعياتها.. وحلولها.
في شرق دارفور وبسبب خلاف حول أرض دفع اكثر من الف مواطن ارواحهم في اقتتال الرزيقات والمعاليا.. وفي كسلا اذا كانت زرقاء اليمامة موجودة لقالت «إني ارى شجراً يسير»، فتحت الرماد وميض نار ورمال تتحرك ببطء تحت الارجل، وذلك بعد بروز الفتنة بوجوهها القميء وهي تسعى لتبعيد مساحات تلاقٍ بين الهدندوة والهوسا ظلت متقاربة لأكثر من مائة وخمسين عاما لم يعكر صفوها طارئ.
والقاسم المشترك بين ما حدث بكسلا والضعين هو الخلاف حول تبعية الارض والنفوذ القبلي، فمنطقة كليكلي ابو سلامة كانت مثار نزاع بين القبيلتين، وهو أمر ليس جديداً، حتى ان والي جنوب دارفور الاسبق ووزير المالية الحالي علي محمود، سعياً وراء انهاء الخلاف حول المنطقة اصدر وقتها قراراً بتبعيتها لحكومة الولاية مباشرة «أبيي2»، ولأن الملف لم يشهد الحسم النهائي من الجانب الحكومي بتحديد تبعية المنطقة كانت الشرارة التي تسببت في اندلاع الحريق، والرزيقات المعاليا وطوال «200» عام لم يدخلوا في نزاع مسلح الا اربع مرات، ففي عام 1882م لقي قرابة المائة مواطن حتفهم وكان ذلك في العهد التركي، وبعد تعايش استمر لقرابة سبعين عاماً تجدد النزاع عام 1966م وتسبب في مقتل ما يربو على الثلاثمائة مواطن، وهو النزاع الذي شهد تكليف الملازم عمر حسن أحمد البشير بقيادة حامية أبو كارنكا لحفظ الامن والاستقرار بالمنطقة، لتمضي اربعون عاماً اخرى دون اقتتال الي ان اندلع في عام 2000م بمنطقتي التبت وقرضاية وايضا شهد سقوط 280 قتيلاً، واخيرا بعد مضي عشر سنوات على صلح نيالا الشهير دخلت القبيلتان الجارتان في صراع اشد دموية ووحشية أوقع قرابة ألف قتيل بحسب تقارير غير رسمية، وكان من الممكن تلافيه إذا احسنت السلطات الولائية والمركزية قراءة مجريات الواقع قبل شهرين عندما بدأت حالة الاحتقان تظلل الاجواء، وأخيرا أفلحت الجهود والمبادرات في إسكات صوت البندقية، ويبدو ان القبيلتين في طريقهما للتوقيع على هدنة.
والمشهد في كسلا يختلف عما جرى بشرق دارفور في محصلة الضحايا، فخلاف الهوسا والهدندوة شاءت ارادة السماء ألا يقع فيه قتلى، فقط اربعة جرحى، حيث كان لجهود لجنة الأمن أثر كبير في نزع فتيل الأزمة بإقناعها أمير الهوسا بإلغاء الاحتفال الذي كان سيقام على شرف تنصيبه أميراً على القبيلة بولاية كسلا بمنطقة أولييب، وهو الاحتفال الذي رفض ناظر الهدندوة قيامه لأسباب يراها منطقية، وتتعلق بتبعية المنطقة لنظارته.
الخرطوم: صديق رمضان :صحيفة الصحافة
[/JUSTIFY]