وقد بدأ تعرف الناس على مسألة التحويل عن طريق التلفون السيّار في بادئ الأمر متأخراً بعض الشيء ذلك لأنه في فترة نهاية التسعينيات وبداية الألفية «2000»، «2001»، و«2002» كانت كل التلفونات المحمولة عبارة عن خطوط خدمة Business line ويتم دفع قيمة المحادثات بعد فترة محددة أو عند وصول المحادثات إلى سقف محدد.. ولكن بعد عام 2002 دخلت ما يُعرف بالشرائح المدفوعة مقدماً ومعها جاءت ثقافة جديدة اسمها «عليك الله حوِّل لي رصيد»… وبدأت تنتشر عادة تحويل الرصيد من مكان إلى آخر.. وانحصرت في تحويلات محدودة القيمة تتراوح ما بين عشرة آلاف وخمسة وعشرين ألف جنيه «قديم» وقامت شركات الاتصال بالتفنن في إصدار «الصكوك» و«الكروت» ذات «القيم الكبيرة» فظهر الكرت أبو خمسين والكرت أبو مائة.. ثم ظهرت الماكينات التي وُزِّعت على الأكشاك والدكاكين لتحول أي مبلغ..
ومرة أخرى تفننت شركات الاتصال في ابتداع كل الوسائل لامتصاص الأموال من بين أفواه التلاميذ والأطفال فظهر الاسكراتش «أبو جنيه واحد» والاسكراتش «أبو جنيهين».. وهذا بالطبع أدى إلى أن يهتم تلاميذ المدارس وأطفال الروضة بتوفير قيمة الاسكراتش على حساب الفطور في المدارس.. وظهرت حكاية التلاميذ الذين يجوعون أو يظلون بدون فطور، وحكى زميلنا الظافر في عموده المقروء عن قصة التلميذة التي كانت دائماً تحتفظ بزجاجة بلاستيك وتحرص على حفظها في شنطة المدرسة وكانت هذه القارورة مملوءة بالكسرة الناشفة وعندما تحين ساعة الفطور تقوم هذه التلميذة بإضافة الماء على الكسرة الناشفة في القارورة وترجّ الزجاجة رجاً شديداً وتشرب المحتويات بدلاً من تناول وجبة الإفطار.. ومن المؤكد أن هذه التلميذة من الذين يفضلون أن يأكلن الكسرة الناشفة في قزازة البلاستيك ليستطيعوا توفير قيمة الألفين جنيه بتاعة الاسكراتش لتذهب لجيوب ناس شركة الاتصالات.. ونواصل في كارثة إحلال شركات الاتصال محل البنوك في أن هذه الشركات صارت تقدم خدمة التحاويل المصرفية لكل السودان.. مثلاً إذا أردت أن أحول مليون جنيه إلى أخي الموجود في القضارف فما عليّ إلا أن أذهب إلى أقرب كشك أو دكان ثابت أو دكان في ركشة متحركة وأدفع المليون جنيه ليقوم بتاع الركشة بتحويل المبلغ ويأخذ مني خمسة وعشرين جنيهاً.. وهناك يصل المبلغ إلى أخي ناقصاً 5% أو 10% لأن أخي سوف يبيع الرصيد إلى صاحب الكشك في القضارف «بالملص» أو «الكسر» وهذه العملية أضاعت على البنوك كثيراً من الخدمات والعائدات التي كان يمكن أن تقدمها للجمهور.. وأستأثرت بها شركات الاتصال.. وبالطبع أدى هذا إلى انحسار أنشطة البنوك في مجال التحويلات..
ولا أحد يدري كم هو حجم الأموال المحولة يومياً عبر أجهزة التلفون السيار لكن تقديراً في حدود عشرة مليارات جنيه يومياً بالقديم لا يُعتبر مبلغاً كبيراً.
ويبدو لي أن على الجهات المعنية أن تتخذ قراراً اليوم وفوراً بإيقاف التحويلات عن طريق شركات الاتصال وألّا يتم أي تحويل إلا لتغذية التلفون نفسه، ويُمنع التحويل من تلفون إلى آخر وبالعدم لا بد أن تأخذ الدولة رسوماً على مثل هذه التحويلات.
وقد كشفت بعض المصادر أن تحويلات الرصيد ربما تُستخدم في تحويل مبالغ ضخمة بين دولة الجنوب والشمال ولا بد من إيقاف هذه الكارثة التي سبَّبتها شركات الاتصال ضمن كوارث أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية.[/JUSTIFY]
د.عبدالماجد عبدالقادر
صحيفة الإنتباهة