ومع أن نفس الإعلام المحلي تعامل بشكل غريب على تقاليد المصريين عندما برر مقتل عشرات من مؤيدي مرسي فيما عرف بأحداث دار الحرس الجمهوري في الشهر الماضي، فإن الغرابة تزايدت كثيرا عندما هلل هذا الإعلام لمقتل وإصابة الآلاف بعدما وصمهم بالإرهاب.
والحقيقة أن من يتابع الشأن المصري بدقة على مدى الأشهر الماضية لن يندهش من طريقة تعامل الإعلام المحلي، سواء تمثل في الوسائل الحكومية أو الخاصة، مع الهجوم الشرس الذي قام به الأمن على المعتصمين، وذلك لأن هذا الإعلام نفسه هو من قام بالدور الأبرز في سلسلة عمليات متتالية من الشحن والشيطنة والتحريض والتبرير.
وكانت البداية مع نجاح مرسي في أول انتخابات رئاسية حرة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ليتربع على السلطة رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت صاحبة النصيب الأكبر من الاضطهاد السياسي خلال العقود الثلاثة لحكم مبارك، كما شهدت مثل ذلك خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر الذي حكم مصر معظم سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
حملات إعلامية
ومنذ توليه الرئاسة وربما قبل ذلك، أصبح مرسي هدفا مفضلا للإعلام المحلي الذي أوسعه نقدا واستهدافا بل وسخرية واستخفافا حيث تبارت في ذلك سلسلة من القنوات الخاصة الذائعة الصيت التي يملكها رجال أعمال يرتبطون بمبارك وعهده، ولم يستطع مرسي أن يحد من هذه الحملات التي استهدفته وكذلك جماعة الإخوان المسلمين وبشكل أقل التيار الإسلامي عموما.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن وسائل الإعلام المملوكة للدولة من قنوات تلفزيون ومحطات إذاعة وصحف ومواقع إلكترونية، كثيرا ما شاركت بقدر أو آخر في هذه الحملات تحت مظلة الحرية التي بدأت مصر في تنسمها بعد ثورة يناير.
ومع الوقت تخصصت قنوات وصحف في انتقاد مرسي والهجوم على جماعة الإخوان، فيما وصفته الجماعة والمنتسبون إليها مرارا بأنه حملة منظمة تستهدف شيطنتها سواء عبر الإيحاء بأنها هي من تدير الأمور في مصر لا الرئيس المنتخب أو اتهامهما معا بتجاهل القوى الأخرى وإقصائها فضلا عن الفشل والتقصير وحتى العمالة.
سحرة فرعون
وعندما وصف مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع بعض رموز الإعلام في مصر بأنهم مثل “سحرة فرعون” تجددت الحملات على الرجل وجماعته وعلى الرئيس وبدا أن الحملة الإعلامية أقوى من الجماعة التي لم تظهر في السلطة نفس التميز الذي سبق أن أظهرته في المعارضة، ليبدو مع الوقت أن هذه الحملة تنجح تدريجيا في شحن فئات متزايدة من المصريين ضد الإخوان والرئيس مرسي.
ووصلت الحملات إلى ذروتها بالاستفادة من إخفاقات عديدة شهدها العام الأول من حكم مرسي خصوصا فيما يتعلق بنقص الوقود وانقطاع الكهرباء، فضلا عن عدم توفيقه مرارا في مخاطبة الإعلام، مما خلق بيئة بدت مهيأة لقبول الشحن والوقوع في فخ شيطنة مرسي وجماعته بل التيار الإسلامي كله، وهو ما مهد بدوره لقبول الخطوة التالية وهي التحريض.
ومع تدخل الجيش لعزل مرسي وبالتوازي مع تظاهر واعتصام الملايين من مؤيدي مرسي للمطالبة بعودته والتمسك بشرعيته بدا واضحا أن السلطة الجديدة تدرك دور الإعلام في تثبيت وجودها فقررت إغلاق القنوات المؤيدة لمرسي أو المتعاطفة معه وأطلقت العنان لحملة واسعة من التحريض مهدت لها باتهامات حملت الإخوان المسلمين المسؤولية عن أخطاء الحاضر وحتى الماضي بل إن أحد المذيعين وصل إلى حد اتهام الإخوان بأنهم السبب في سقوط الأندلس.
وعندما تقابل بعض المصريين تجد من يصدق ذلك رغم أن الأندلس سقطت قبل قرون في حين أن الجماعة تأسست قبل أقل من قرن، ليتبين لك بوضوح ماذا فعل خليط الشحن والشيطنة والتحريض.
وتستطيع أن تفهم كيف أن كثيرا من المصريين لم يبدوا اكتراثا بمقتل وإصابة الآلاف من إخوانهم، بل إن الكثيرين تباروا في الدفاع عن المجزرة أو تبريرها ناهيك عمن لم يروا ضيرا في إظهار مشاعر السعادة وحتى الشماتة في أرواح تم إزهاقها لمجرد أنها عبرت عن رأيها.
المصدر:الجزيرة–أنس زكي – القاهرة