عندما كان السيد كرم الله عباس والي القضارف يطلق نيرانه في معية ابن القضارف طلال مدثر من قناة الشروق في برنامج المحطة الوسطى كنت في مدينة القضارف، وفي (صبحية) اللقاء نزلت السوق فوجدت المدينة كلها تتكلم عن هذا اللقاء فيبدو أن الموبايلات “اشتغلت صاح”، وقد لحظت أن الكل كان منتشيا وقد ظننت في بادئ الأمر أن سبب النشوة أن كرم الله طالب لهم بمستحقاتهم من وزارة المالية، لكنني اكتشفت أن سر سعادتهم يعود إلى إحساسهم بأن السودان كله سهر مع رجل من القضارف وأن القضارف لديها من يستطيع اقتحام المنابر ويتحدث بشجاعة متناهية. لقد أعطت تلك السهرة نجومية وألق لكرم الله فأصبح بطلا قضارفيا قوميا (غايتو يالحكومة شيلي شيلتك) يبدو أن صيام القضارف من ناحية فنية إذ لم تأت بفنان قومي يغني (قنبلة) أو (حرامي القلوب تلب) ومن ناحية رياضية لا تمثيل لها في الدوري الممتاز، فتح الطريق لنجومية كرم الله.
القضارف مدينة غنية بمواردها وهي مدينة حقيقية غير مصنوعة بمعنى أن موقعها الجغرافي هو الذي جعلها سوقا كبيرا لا بل أضخم سوق للمحاصيل في السودان، ثم حول السوق قامت الخدمات وتمدد العمران ثم جاءت السياسة لتجعل منها عاصمة لولاية بعد أن كانت جزءا من ولاية أخرى، لعل هذا هو الذي يفسر لنا سلوك كرم الله السياسي فهو رجل (عينو مليانة) قبل النظام السياسي الذي يمثله لذلك يتكلم على كيفه ولن يحمل (بقجتة) فوق رأسه ويركب الشارع إذا ما أعفي من حكم الولاية، بل سوف يزيد تمدده في فناء حوشه الفسيح وربما يربع باثيوبية وينجب (جعلتي نجيض أو جعلتية فاتنة الجمال) مش هو اللي قال عرسوا اثيوبيات خلاص يبدا الشغلانة.
اليومان اللذان أمضيتهما في القضارف أو بالأحرى في ريف القضارف في معية فريق من قناة النيل الأزرق لتسجيل حلقة من برنامج جديد يعنى بالمبادرات الفردية، وكان مبادرنا الدكتور عبد الماجد عبد القادر صاحب الأحزمة الشجرية التي تفوق ثلاثين مليون شجرة هشاب وطلح تعرفها القضارف جيدا فهذا المستثمر (المجنون) قد تحول إلى محتسب قدم عملا غير مسبوق. عندما نزلنا مدينة القضارف للمبيت وخرجنا منها في اليوم التالي قلت لعبد الماجد: إن القضارف هذة مدينة موحية وأظنها هي التي أوحت لك بفكرة الأحزمة الشجرية
لم نقابل أي مسئول حكومي لأنه لم يكن في برنامجنا مقابلة أي جهة رسمية اللهم إلا ضابط سوق المحاصيل الذي استأذناه في أخذ لقطات من السوق لزوم البرنامج فسمح لنا مشكورا، ولكن في الطريق نزلنا في المقرح فدعانا من توسم فينا خيرا لزيارتها (طبعا عبد الماجد معروف في تلك البقاع) ويا لها من مدرسة فقيرة بائسة تحتاج لكل شيء حتى تستحق أن يطلق عليها صفة مدرسة ولكنها تعكس إصرار هؤلاء الناس على التعليم وتجعلك تفخر بأن في السودان أناسا يصارعون قسوة الظروف بهذه الدرجة فيا سيد كرم الله نتسحلفك بالله أن تنظر بعين العطف لهذه المدرسة التي تقع في طريقك من وإلى الخرطوم مع أول قرش يأتيك من وزارة المالية من أموال ولايتك المحجوزة بغير حق.[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]