الطيب مصطفى : عندما تغرق العاصمة في شبر موية!!

[JUSTIFY]قال محدِّثي المهندس الاستشاري الكبير الذي لا يستطيع لأسباب معلومة البوح بما حدَّثني به على رؤوس الأشهاد إن أزمة السيول والأمطار في السودان بل أزمة البنيات الأساسية في بلادنا هي أزمة تخطيط هندسي في المقام الأول ناشئ عن مشكلة سياسيَّة وليس عن نقص الخبرة الهندسيَّة!!
بالله عليكم كيف يجوز ــ والسؤال للاستشاري الكبير ــ كيف يجوز للدولة أو لحكومة ولاية الخرطوم أن تنشئ مدناً أو قرى في أودية بل في ممرَّات السيول؟! ماذا يعني أن توزَّع الأراضي في وادٍ منخفض يُسمَّى ــ ويا للسخرية ــ بالوادي الأخضر عديل كده؟!
الوادي الأخضر والمرابيع بشرق النيل مناطق منخفضة وهي مجارٍ للسيول وبالرغم من ذلك تُوزَّع لأطول الناس ألسنة وهم قطاع الصحافيين!!
سألني مستنكراً: لماذا تجنَّب الناس بفطرتهم السليمة أبو آدم وذهبوا إلى الكلاكلة البعيدة؟! الإجابة جاءت صاعقة: السبب هو أن الناس بخبرتهم المتراكمة كانوا يعلمون أنَّ الكلاكلة مرتفعة وأكثر أماناً ولذلك فضَّلوها على مناطق قريبة لكنها تقع في منخفضات يمكن أن تُحدث دماراً هائلاً إن غَشِيَها السيل في يوم من الأيام.

تحدَّث عن الأراضي الزراعيَّة التي تحوَّلت بسبب الضغوط السياسيَّة أو المجاملات، ولا أقول أكثر من ذلك، إلى أراضٍ سكنية جعلت العاصمة تتمدَّد وتتداخل مع الولايات الأخرى التي كانت بعيدة قبل أن تدهمها العاصمة بنموّها العشوائي الذي يفرض على القائمين بالأمر معالجات سياسيَّة يخضعون فيها للضغوط ويتجاوزون عن كثيرٍ من مطلوبات التخطيط الهندسي.
لكن هل صحيح أنَّ التخطيط الهندسي في بلادنا مبرأ من العيوب؟!
كيف تمَّت إقامة نفق عفراء قبل سنوات قليلة وكيف تم تسلُّمه وهو الذي تتجمَّع فيه مياه الأمطار في شكل بحيرة بها آلاف الأمتار المكعَّبة من المياه… نفق كوبر.. وكثير من الأنفاق… الجسور.. الطرق المنشأة حديثاً والتي تم بناؤها بدون مصارف مياه بل بدون مَيَلان.. شارع عبيد ختم ذلك الفضيحة المُدوِّية كيف تم إنشاؤه وتسلُّمه من المقاول؟!
لم أتحدَّث عن هشاشة طرق الأسفلت والتي قد يحاجج مسؤولو ولاية الخرطوم بمنطق أنَّهم اختاروا الأرخص نظراً للظروف الاقتصاديَّة لكن أما آن الأوان لأن نعيد النظر في هذا المنطق الأعرج الذي ثبت فشله بعد التجارب المريرة التي ذُقنا من ويلاتها خسائر بشريَّة وماديَّة فادحة؟!

لا تزال العاصمة تتحدَّث عن مباني جامعة الخرطوم أيام الاستعمار والتي مضى عليها أكثر من قرن ولا تزال تتحدَّى الزمن وتسخر من المباني المجاورة التي بُنيت خلال العقود الأخيرة… أعجب ما في الأمر أنَّ الطرق الخلويَّة (High ways) التي تربط بين الولايات، بل حتى الجسور داخل العاصمة وخارجها بُنيت بقروض دولاريَّة بعشرات وربما مئات الملايين ولا أدري لماذا لا تنشأ بالمواصفات العالميَّة؟! ماذا أراد الله بالخريطة الهيكليَّة لولاية الخرطوم والتي صُرفت عليها ملايين الدولارات لكي تكون أساساً لتخطيط متكامل لا يترك شاردة ولا واردة إلا وأحاط بها على أسس علميَّة راسخة وأين يُقيم المكتب الاستشاري الأجنبي الذي رسمها بعد أن غادر السُّودان إلى غير رجعة؟!
لقد تضاءل دور المهندسين الاستشاريين وبات العمل بموجب النُّظم العالميَّة في التقيد بالعقود وإجراءات التسليم والتسلُّم غير معمول به في كثير من الأحيان وصدِّقني يا والي الخرطوم أن الاستشاريين السويديين الذين استجلبتَهم ليسوا أكثر كفاءة من بعض نظرائهم السودانيين لكن عدم إعمال الضوابط والمعايير الهندسيَّة هو العلَّة التي نعاني منها وما زلتُ أذكر أننا نزلنا ضيوفًا على العشاء بمنزل أكاديمي سوداني كان يدرس المعمار بجامعة زيورخ بسويسرا وكان الوفد يضم د. شرف الدين بانقا والمهندس عبد الله عباس حبيب مدير الدار الاستشاريَّة لتطوير الخرطوم وقد عاد الأكاديمي إلى السُّودان حيث يدرس وكثيرون غيره في الجامعات السُّودانيَّة.

كلام كثير عن الأذى الذي لحق بالعاصمة ومواطنيها جرَّاء السيول والفيضانات وهذه شَذَرَات أرجو أن نستكملها من خلال ندوة وربما ندوات لمعالجة المشكلة التي يحزن المرء أنها لا تزال تُمسك بخناق عاصمتنا وبلادنا شأنها شأن كثير من العلل التي نعاني منها في بلادنا المأزومة.
أين نحن من بلاد تهطل فيها الأمطار على مدار العام ولا نجد كثيراً من الماء على شوارعها بعد دقائق من توقف هطول الأمطار؟![/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version