الطيب النقر .. السرقة بسبب الضرورة

[JUSTIFY]من المقرر أن حالة الضرورة التي تُسقط المسؤولية هى التى «تحيط بشخص وتدفعه إلي الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل فى حلوله وكانت الجريمة هى الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به».
ولعل من لوازم الضرورة أن يدرأ الشخص عن نفسه وأهله الهلاك، فإذا لم يجد ما يقيم به الأود إلا باقتراف الحرام كشربه للخمر وأكله للميتة وسرقه لمال الغير فإنه يتعين عليه ارتكاب ذلك المحرم دفعاً للضرر، وطلباً للنجاة، فقد قال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ البقرة:.173وقال عزوجل: َقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ الأنعام:119.

وما روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع فى مجاعة مضطر»، وما روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع غلمان حاطب بن أبي بلتعة عندما سرقوا ناقة المزني ونحروها ليدفعوا عن أنفسهم غائلة الجوع، فسيدهم حاطب لم يكن يأتيهم المال الكافي الذي يقتاتون منه، فدرأ عنهم أمير المؤمنين الحد، لأن الجوع والاضطرار شبهة قوية أبعدت عنهم شبح العقوبة وضاعف الخليفة العادل ثمن الناقة على حاطب حتى لا يعود لصنيعه ذلك، كما أنه قرر أن لا «قطع في عام مجاعة، عامّا، نصّاً، إذا لم يجد ما يشتريه أو ما يشترى به» قال العبقري الملهم الخليفة العادل الفاروق عمر رضي الله عنه :«لا تقطع الأيادي في غذق ولا عام سنة».، ولأن أشد ما ينغص على الإنسان حياته هو الجوع والعطش والفاقة الشديدة، درأ سيدنا عمر الحد على المضطر الذى أقدم على جريمة السرق ليسد رمق أسرته، وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله عن قول عمر رضي الله عنه بعدم القطع فى عام المجاعة فقال: «إى لعمري، لا أقطعه إذا حملته الحاجة، والناس فى شدة ومجاعة».

ولعل ما لا يند عن ذهن، ولا يلتوي على خاطر، أن الخليفة عمر درأ الحد بالشبهة، ولم يُسقط الحد ابتداعاً من عنده كما رسخ فى أذهان الكثير من الذين لم يتمرسوا في فهم النصوص الشرعية، فالمجاعة وندرة الطعام ليست مبرراً كافياً ومسوغاً وجيهاً لدرء الحد وإسقاطه عن الجميع كما يتوهم البعض، بل لأن الغالب فى السرقات التى تقع فى تلك الأيام العصيبة سببه دفع غائلة الجوع والغرث، فكأن العبقرى الذى لا يفري أحد فريه يريد أن يحيطنا علماً بضرورة درء الحدود لشبهة الاضطرار، ولعل الكثير من الناس يُقدم على جريمة السرقة ليدفع عن نفسه وذويه شبح الموت، فالناس فى تلك النكبات بلا شك يُقدمون على السرقة وهم كارهون، بل ربما تدفعهم المخمصة والملق لأخذ الطعام والمال عنوة، كما أنه ليس مقتضى إسقاط الحد عن المضطرين فى المجاعات إسقاطه عن غير المضطرين فيها، وشتان ما بين العائل الذى يسرق ليُطعم عياله، وما بين الذى يسرق من غير ضرورة كأن يسرق بعيراً أو ذهباً أو حريراً فقط لأجل الاقتناء وليس من أجل الحفاظ على نفسه وأسرته.

ويُشترط للإعفاء من العقوبة» ألّا يأتي المضطر الفعل إلا إذا بالقدر الذى يدفع الضرورة، فليس للجائع أن يأكل من طعام غيره إلا ما يرد جوعه وليس له أن يأخذ معه شيئاً، ويُشترط للإعفاء من العقوبة أن يكون الفعل المحرم مما يرد الضرورة، فإذا لم يكن كذلك فلا إعفاء، فمن يسرق أمتعة من آخر ليبيعها ويشتري بثمنها طعاماً لا يستطيع أن يدعى أنه كان فى حالة ضرورة؛ لأن سرقة الأمتعة لا تدفع الضرورة مباشرة، أما من يسرق رغيفاً فإنه يستطيع أن يقول إنه كان في حالة ضرورة؛ لأن السرقة تؤدى مباشرة لدفع الضرورة».

صحيفة الإنتباهة

[/JUSTIFY]
Exit mobile version