ذات المبدأ ينسحب على النهج العشوائي لحاملي تلك الأمتعة داخل الطائرات، وبين صفوف الجوازات، وهي لعنة سلوكية تجعلنا محط تذمر الآخر وضجره وبالتالي تقليله من شأننا القومي واستخفافه بقيمتنا الإنسانية، ومعاملتنا بجفاء من منصات الأمم المتحدة إلى أروقة المكاتب، إلى أزقة الشوارع في بلاد الله الواسعة .. لكننا لم نسأل أنفسنا يوماً «لماذا»؟، وأعني بالسؤال هنا التفاتة قومية جادة نحو ظاهرة التقليل الدائم من شأننا حكومة وشعباً ..!
والآن هذه دعوة صريحة إلى طرح سؤال قومي في هذا الصدد، ألسنا اليوم ذلك السودان الذي نجح أخيراً في امتلاك هويته الجازمة ؟! .. خلاص!، لماذا لا نجتهد إذن في دعوة هذا الشعب إلى إعادة صياغة نفسه وتمثيله الخاص والعام على خارطة الدول ..؟!
لعلك تلاحظ معي علو الأصوات التي تدعو إلى سودنة العمالة وتحجيم وجود الوافد الأجنبي، لذلك أرجوك أن تبارك مثلي وجود الجاليات الوافدة وتشجيع تغلغلها في نسيجنا الاجتماعي علنا نتغير .. على الأقل سينقذنا الامتزاج مع ثقافات الآخر من تداعيات ذلك الكبرياء الأجوف وتلك الحساسية العالية ضد النقد الإيجابي، ومغبة ذلك الإصرار الأخرق على «تأليه» الذات السودانية أدام الله عزها..!
أول مجالب الانفتاح الثقافي والاجتماعي على الآخر ستكون مواطن لا يحتاج مقدمو البرامج الحية أن يتوسلوا إليه في كل مكالمة لكي «يوطِّي» صوت التلفزيون، وحاج سوداني منظم، ومعتمر سوداني لا تعني إقامته المديدة كابوساً للسلطات في بلاد الناس، ومسافر سوداني لا يكلف ضباط الجوازات عناء توبيخه على تجاوز الخط الأحمر قبل أن يحين دوره ..!
أراهنك على أننا لو تسامحنا مع وجود الآخر بيننا سوف ننجح بعد مضي عشر سنوات في تدبيج دراسات اجتماعية ثرة تتناول دور الممرضة الفلبينية في تقليل نفايات ومخلفات زوار المستشفيات .. أو بصمة الوجود الأجنبي في تقليص مساحات «ونسة الباب» .. أو حتى أثر العمالة الشرق آسيوية في انخفاض مستوى دخل «ستات الشاي» ومعدلات استهلاك السجائر ..!
ولو شدت الحكومة حيلها في إبرام اتفاقيات التبادل الثقافي مؤكد أننا سوف ننجح خلال عقدين أو ثلاثة من الزمان في التخلص من عادة السواك على عتبات البيوت، والبصاق في الأسواق .. بل لعل الله يكرمنا برقة الحاشية، فتشيع فينا «لو سمحت «، و»حضرتك»، و»كلك ذوق»، بدلاً عن «هوي»، و»أسمع»، و»عاين» التي لا يتورع الواحد منا عن أن يخاطب بها أعلى مقام ..!
منى ابوزيد-الراي العام