*بالأمس قلنا إن الطائفية في السودان رغم عدم صلابتها إلا أنها دخلت على مؤتمر الخريجين وشقته (طق) فحرمت البلاد من تجربة مثقفين ناضجة كتلك التي أحدثها حزب المؤتمر في الهند التي أصبحت بفضله قلعة من قلاع الديمقراطية والوطنية في العالم الثالث فالطائفية احتوت بناء الحزب ولم تستطع استيعابه فضاق بها فكانت الانشقاقات والتصدعات في الأحزاب الوطنية التي كانت توليفة بين التقليدية والحداثة ثم لحق الأمر البناءات الأممية من يسار وإسلاميين فتصدعت وتشققت هي الأخرى بعوامل التعرية السياسية فرجعت البلاد القهقهري للبناءات الأولية من جهوية وقبلية وعنصرية ..فخلو البلاد من التنظيم القومي الذي ينتظم فيه السودانيون من حلفا لنمولي أدى إلى فصل الجنوب وحرب دارفور ثم النيل الأزرق وجبال النوبة والدائرة الوطنية كل يوم تضيق والدائرة المناهضة للوطنية كل يوم تتسع.
*الفضاء السياسي مثل الطبيعي لايعرف الفراغ إذ لابد من ظهور جسم يملأ الفراغ الوطني رغم الانحدار اللاوطني الشديد الذي يجري الآن وقد ظهرت عدة محاولات خجولة لملء هذا الفراغ وهي مازالت في طور الأجنة ومن هذه المحاولات (حزب تجمع الوسط) والذي بين يدي الآن كتيب يحتوي على ملامحه ورؤاه الفكرية والتي لاتخرج من محاولات ملء الفراغ الوطني وإن كانت كلمة وطني لم ترد في اسم الحزب فالواضح من المؤسسين له أنه محاولة لتجاوز الأحزاب السودانية التقليدية اتحادي وأمة كما أنه مفتوح للذين يئسوا من التنظيمات العقائدية إنه محاولة للرجوع لمنصة التأسيس الأولى وبالتحديد مؤتمر الخريجين.
*من المؤكد أن فيضانات وسيول قد مرت تحت وفوق جسر السودان منذ مؤتمر الخريجين إلى يوم الناس هذا فالرجوع لتلك المنصة سيكون مرهقاً ومكلفاً فالأجدى أن ينطلق الناس من اللحظة الماثلة (نحن أولاد اليوم) ولكن الأشواق الوطنية التي تبناها مؤتمر الخريجين قبل أن تهجم عليه الطائفية تصلح أن تكون نقطة بداية لاسيما وأن عامل التفرقة (اتحاد مع مصر أم استقلال كامل ) ثم (صراع اليمين واليسار) وأذهب إلى أكثر من ذلك (إسلاميين وعلمانيين) كلها انقرضت أو في طريقها للانقراض فالوسطية اليوم تعني اتخاذ المواقف التي تقوي البناء الوطني حتى البناء الوطني لم يعد غاية في حد ذاته بل لمصلحة المواطن. الوسطية في تقديري اليوم هي البعد بقدر الإمكان عن الغلو الأيديولوجي مهما كانت مرجعيته ويبدو أن القائمين على فكرة حزب تجمع الوسط الجديد مدركين لهذا الأمر.
*إن أي محاولة لملء الفراغ السياسي المشار إليه أعلاه تجد منا كل الترحيب ولكن لابد من كلمة نهمس بها في أذن القائمين على فكرة حزب تجمع الوسط (تحت التأسيس) وهي أن الفراغ الممتد أمامهم أوسع مما يتصوروا وهذا محفز للحركة ومرهق لها في نفس الوقت إن لملمة الأمور وحزمها في برنامج يقبل عليه الناس تحتاج إلى جهد ذهني خارق ونشاط سياسي دؤوب وحذر وعقلانية فانظروا إلى الكتلة التاريخية الحيوية وفعلوها ثم احقنوها بما لديكم من برامج وأفكار ما استطعتم إلى ذلك سبيلا وبالتوفيق إن شاء الله فأي فكرة سياسية جديدة نعتبرها فسيلة يجب التشجيع على غرسها ولو كان شبح الصوملة لأمس سقفه الرؤوس.. فال الله ولافالنا.[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]