المغنية التي تردد اغنية طبيعتها كانثي ببغاء يردد اي كلام ولو ضده
كانت اشعار المرأة السودانية في التراث تتغني في الرجل الشجاع الفارس الشهم الكريم حامي الديار مقنع الكاشفات جمل الشيل اخو البنات الي آخر صفات الرجولة النبيلة.. ماقالته بنونة بت المك نمر في شقيقها عمارة يشبه ماقالته الخنساء في اخيها صخر
ماداير الك الميتة ام رمادا شح
ياريت ياعشاي بدمك اتوشح
اما رقية اخت البطل عبدالقادر ود حبوبة قالت فيه
الواعي ما بوصوه
من امس الضحي
توري اب زنود ساقوه
يامقنع وليانو
وقالت ايضا:
بتريد اللطام اسد الخشش الذم
هزيت البلد من اليمن للشام
وقالت مهيرة بت عبود عن اهلها:
غتيت بالعديلة لي رجال شايق
البرشو الضعيفة وبلحقوا الضايق
وقالت بنت سكاره عند اندلاع الثورة المهدية:
طبل العز ضرب هويته يالبرزه
غيرطبل ام كبان انا مابشوف عزه
ان طال الوبر واسيه بالجزة
وان ماعم نيل مافرخت وزة
المرأة الصنديدة شغبة المرغمابيه عاشت في ارض البطانة منتصف القرن الثامن عشر
كثير من اشعار واغنيات المرأة السودانية بقيت خالدة عشرات السنوات يرددها جيل بعد جيل باعجاب وطرب لانها لامست بقوة وعمق مايحتاجه المجتمع السوداني في كل زمان ومكان من الشجاعة والفروسية والحماسة والشهامة والجود ومكارم الاخلاق.
ولاتزال هذه القصائد والاغنيات النسائية حتي الان عندما تغني تهز الرجال في مشاعرهم وينهضوا ليعبروا عن ذلك بالعرضة والتبشير.
كانت المرأة السودانية منذ مريم المرغمابية في القرن الثامن عشر وفي عمق تراث الحكامات في دارفور والغرب وزارة اعلام ووزارة ارشاد ووزارة دفاع لم تكن في الصفوف الخلفية بل كانت تقود الرجال في اربعينات القرن الماضي وكانت تمنح الغناء رسالة نضالية سامية وعظيمة.
في مجتمع ام درمان المتطور مدنيا في الحياة واللغة والعلاقات كانت فنانة السودان الاولي عائشة الفلاتية في اربعينات القرن الماضي تلعب دور مهيرة وبنونة ورقية وبت سكاره في بث الحماس وتمجيد البطولات ودعم الجنود لكن بطريقتها الخاصة وباسلوب ولهجة عصرها وغنت:
يجو عايدين ان شاء الله عايدين يا الله
الليمون سقايتو علي ياحج انا
كما غنت يافتاة النيل واغنية الدار الما داري واغنية دار الاذاعة ومن اشهر اغنياتها لعبدالرحمن الريح (ياحنوني) ومعلوم ان الفلاتية غنت للجيوش السودانية المشاركة في الحرب العالمية الثانية.
ليس الفلاتية وحدها بل معظم فنانات ذلك العصر ارتبطن بالغناء التراثي الذي يمجد القيم الفاضلة. ومنهن على سبيل المثال الفنانة مهلة العبادية ومن ابرز اغنياتها (الوافر ضراعو) و(خال فاطنة).
حرص الفنانات السودانيات علي اداء هذا اللون التراثي الاصيل مستمر جيلا بعد جيل..
البلابل مثلا غنت:
نحن ونحن الشرف الباذخ
حتغني لي ود القبايل
تسلم يا اب عاج اخوي
الى آخره.
اما ندى القلعة اشتهرت بلقب مطربة الحماسة ولم تكتف بالتراث بل الف لها الشعراء الحديثون اغنيات حماسية جديدة مثل التجاني حاج موسي اغنيتي (تسر الكرام ارباب) و(قال بكرة في نيتو) ، تبدأ الفنانة السودانية عادة باغاني البنات والدلوكة والسيرة واغنيات ترقيص العروس وتتجه الي اغنيات التراث وتقليد اغنيات الغير القدامي والمعاصرين ثم تتجه الى انتاج اغنيات خاصة بها لكن معظمهن يشتهرن باغنيات الغير وليس انتاجهن. او يطويهن النسيان لان انتاجهن الخاص لم يحقق لهن الشهرة. وعموما الفنانة السودانية لاتستمر الي المدي البعيد بل تسقط في طريق الفن او تنسحب بهدوء قبل اكمال المشوار وتحقيق اعلي سقف في الطموحات لظروف تتعلق بالمرأة دون الرجل في المجتمع السوداني.. اسماء كثيرة لايسع المجال لحصرها انزوت قبل اوانها ورغما عنها لعدم وجود دليل نجاح يساعد الفنانة السودانية علي تخطي العقبات والي الاخذ بيدها في سلم الصعود الي القمة.. وهنا لابد ان نشيد بفرقة البلابل التي تغلبت علي محنتها وانتصرت للفن وعادت اكثر القاء ونضجا بقديمها الذي لايزال راسخا في اذهان وافئدة الناس رغم تعاقب الاجيال وبالجديد الداعم للمسيرة.. وتتميز البلابل عن الفنانات بعدم تقليد الغير بل الاعتماد في شهرتهن بالكامل علي انتاجهن الخاص منذ ظهورهن الاول.
التحدي الذي يواجه الفنانة عندما تحاول الاستغلال بانتاج خاص بها هو وجود شاعر يعبر عن مشاعر واحاسيس وحياة وآمال وتطلعات المرأة السودانية في الحب والعلاقات بين الناس كافة والقضايا العامة ومايخص المرأة تحديدا سواء كان الشاعر رجلا ذلك هو الغالب الاعم او امرأة.
من حيث المنطق والاخلاق وطبيعة المرأة المغنية كانثي لايمكن ولايجوز الغاء كونها انثي لتتحدث بلسان الرجل في اغنية كتبها شاعر يتغزل في محبوبته المرأة.. وهذا يقودنا الي ظاهرة التقليد او اداء اعمال الغير الغنائية الذي عصف بالخطاب في الاغنية السودانية واختلط الحابل بالنابل مما مرمط واساء وبهدل المشاعر الانسانية الخاصة ووضعها في اتجاهات شاذة.
اداء الفنانات لاغنيات لسان الحال الغرامي فيها خاص بالرجال ظاهرة قديمة وعامة لكنها استشرت قبل سنوات بصورة أكبر في برامج غنائية ذات شعبية كبيرة مثل برنامج (اغاني واغاني) أو برنامج (نجوم الغد)
الامثلة كثيرة لاتحصي ولايسعها الحيز ولكن تابع في شهر رمضان الحالي تلاحظ المفارقات العجيبة في غناء الفنانات النساء لاغنيات شعراء رجال فيها غزل للنساء واطرف حاجة قبل يومين غنت الفنانة فهيمة اغنية (جاري وانا جارو) وهي قصيدة حب وغزل لابوآمنة حامد في بت الجيران من الطبيعي ان يعبر عنها بلسان رجل الفنان سيد خليفة لانه رجل مثل ابوآمنة حامد وتحدث خلخلة وفوضي عندما تعبر عنها بلسان أمرأة الفنانه فهيمة ولذلك لم تقل مقطع (يابت انا ود الحلة عاشقك وحياة الله) مما كشف الخلل والخطأ في ترديد الفنانات النساء لاغنيات قالها شعراء رجال في محبوباتهم النساء ولايمكن لفهيمة ان تعدل في النص لتقول مثلا (ياود انا بت الحلة عاشقاك وحياة الله) فهذا خطير ماقالت به فتاة سودانية)
ثم ان الخطاب في القصيدة الغنائية العاطفية واحد لايقبل باي حال من الاحوال ان يحول في الاتجاه المعاكس الامر بالنسبة للمتلقي مختلف لانه مستمع وليس قائل ولذلك كل جنس يأخذ موقعه في الاغنية الرجل مع الشاعر العاطفي والمرأة مع حبيبة الشاعر والتداخل مشروع هنا وهنا بين الاربعة الشاعر العاطفي الرجل، وحبيبته والمتلقي الرجل والمتلقية المرأة.. لك كمتلقي ان تتفاعل وترتبط مع الاغنية كما تريد.
ان الفنانة التي تردد اغنية لاتتفق بل هي نقيض لطبيعتها كانثي وليست رجلا تتحول الى ببغاء يتكلم ولايحس بمعني الكلام حتي ولوكان مسيئا له واذا كان لابد من التقليد أو اداء اعمال الغير يجب اختياراغنيات للفنانات لاتتعارض مع وضعن الجنسي كنساء وليس رجال لايمكن لفنانة امرأة ان تغني مثلا للشاعر صالح عبدالسيد
قلبي همالو خديدك وجمالو
او: ضامر قوامك لان..
او تتغني لاحمد المصطفي آه انا من خدودو النايرة او تغني لعبيد عبدالرحمن: انا مابقطف زهورك بعاين بعيوني.. او : لود القرشي: الحالم سبانا احب طرفه الحكيل او: اما جسيمة ناعم الفم فيه خاتم
او لكامل عبدالماجد: امانة عليك ياتايه الخصل.. لايجوز ايضا ان يؤدي فنان رجل اغنية تعبر عن وضع المرأة ولم يكن مناسبا اداء الفنان محمد احمد عوض لاغنية الفاضل سعيد: ابوي يا يابا ماتقول ليه لا.. هناك اغنيات كتبتها نساء لفنانين رجال تحتمل الموضوعات فيها بالنسبة الي الرجل بجانب النسبة الي المرأة ولكن القاعدة هي الاقدر علي تجسيد تجارب النساء هن نساء في الكلمات والاداء ومن الاغنيات الوسيطة اغنية الشاعر حكمت محمد يس غناء كمال ترباس (صدقني مابقدر اعيد قصة غرام بالشوق مضت) هذه الاغنية يمكن ان تؤديها الفنانات النساء لانها اصلا تجربة امرأة
ونعيب علي الفنان الرجل اداء اغنيات البنات مثل : الول لا لك يا العروس.
علي منتجي البرامج الغنائية القائمة علي التقليد او اداء اعمال الغير التلطف بالفنانات النساء خاصة باختيار اغنيات فيها قضايا انسانية مشتركة بين الرجل والمرأة ولايتم احراجهن باغنيات عاطفية موجهة من شعراء رجال لنساء، ومن الامثلة للاغنيات المشتركة وتصلح لغناء المرأة علي سبيل المثال
حمام الوادي ياراحل مع النسمة الفرايحية
اسكتي ياجراح واسكتي ياشجون
اليوم سعيد وكانه عيد
الجريف واللوبيا (عندي شوق لي نيلنا)
امي الله يسلمك
ياوطني ياحبوب ابوجلابية وتوب
داخل روضة غنا نحن جماعة كنا
يا ارض الحبيب كم لي فيك غرام
اجري يانيل الحياة
عايز اكون انا عايز اكون
الفينا مشهودة
بالاضافة الي اغاني الوطن والشجاعة والحماسة والكرم مثل:
سوداني الجوه وجداني بريدو
النصيح حديدو بدور الشيخ انا ياناس بريدو
انا سوداني انا
الصبيان الجرو سابو عروضهم هملوا
عزة في هواك
الحسن صاقعة النجم
الجنزير في النجوم زي الهيكل المنضوم
انا ام درمان انا السودان
ياوطني يا بلد احبابي
وهناك اغنيات عاطفية لشعراء رجال لايبدو فيها الغزل واضحا تماما مثل غيرها او غير موجود مثل:
هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو
ما تهتمي للايام ظروف بتعدي
ياصحو الذكرى المنسية من بعدك وين الحنيه
في حوالي قرنين من مهيرة وبنونة ورقية وبت سكاره وغيرهن الي نسرين وافراح وفاطمة واخريات كانت المرأة السودانية تهزالارض تحت الاقدام باشعارها واغنياتها الدافعة الى الحماس والشجاعة والبطولة ومكارم الاخلاق وصارت الان في الغناء نسخة تردد كالببغاء غزل وعواطف الشعراء الرجال الموجه الي حبيباتهم في شذوذ لايستقيم وطبيعتهن الا ان الدنيا لازالت بخير طالما يوجد فنانات حافظات لكينونتهن ومكانتهن لكن يظهر منهن حاليا البلابل وندي القلعة.
هذه الظاهرة موجودة في السودان فقط اذا نظرت في غناء الفنانات العربيات تغني نجاة الصغيرة بلسان حالها كامرأة مثل اغنية (ايظن اني لعبه في يديه) واغنية (اسألك الرحيلا) وتغني اصالة (اغضب) كما تشاء واتهم الاقدار واتهمني) وتغني ماجدة الرومي (يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات) وتغني فيروز ( لاتسألوني ما اسمه حبيبي) وتغني فايزة احمد (وسددت في وجهي الطريق بمرفقيك).
الخرطوم: صلاح التوم من الله:قوون