ضياء الدين :أكبر مشروع استثماري بمصر، هو حيوية ومهارة المواطن المصري

في زيارة سابقة لمصر قبل أربعة أعوام تشكلت لديّ عدة انطباعات، سقتها في مقال حمل عنوان (مصر مسرح كبير)، العنوان لم يَرُق لزميلتنا الفاضلة بصحيفة الأهرام أسماء الحسيني، ردت عليّ وقتها بسخرية لاذعة: (إذا مصر مسرح كبير ومال السودان إيه يا ضياء.. سيرك؟!).

قلت حينها لن تجد شعباً بحيوية الشعب المصري في التعامل بيعاً أو شراءً أو مؤانسة أو مشاجرة.
سائق التاكسي محلل سياسي واجتماعي ، يغنيك عن شاشات الفضائيات المصرية وعناوين الصحف.
الجرسون كوميديان متحرك، يوفر لك من المتعة ما لا توفره مسارحنا (الخشبية) وتلفزيوناتنا (اليابسة).
الطبيب يجيد الاستقبال والوداع، حتى تفترض أن بينكما صداقة عامرة، لا تعرف متى بدأت وإلى أين ستنتهي؟ يشرح لك ما تعاني، فتستغرق في المتابعة، كأنه يتحدث عن شخص آخر تعرفه تماماً.

كنت أظن نفسي من الذين يجيدون تلقي النكات وردها.. أيام القاهرة فضحت لي ذلك الادعاء.
التعليقات الساخرة والسريعة، وعقد المفارقات والرد بمثلها، أو أحسن منها، مهارة اجتماعية لا يجيدها الكثيرون في السودان.
وجدتني في القاهرة عاجزاً عن مسايرة ذلك الإيقاع السريع.
تصدر النكتة وتعقد المفارقة في ثوانٍ خاطفة، ولا تجد ما يلزمها من رد، سوى تمديد الضحك وتوسيع الابتسامة، لملء فراغ المشهد.
وربما خيار آخر؛ تجد نفسك مضطراً إليه، وهو التزام الصمت والصعود إلى مقام (الجدية) مستعصماً (بالحزم).

الحياة على الرغم من صعوبتها وضيق أوعية الرزق والتنافس الملتهب، وهناك أكثر من ثمانين مليوناً على مساحة محدودة تحاصرهم الصحراء في واقع مأزوم؛ على الرغم من ذلك يستطيعون صناعة الفرح واستهلاكه.
أكبر مشروع استثماري بمصر، هو حيوية ومهارة المواطن المصري، التي تجعل للسياحة متعتها المختلفة.
كثير من المشاريع والفرص الكبرى لدى الدول، تهزمها طبائع الشعوب.

مفارقات عدة تُظهر لك جدية المواطن المصري وكفاحه، لتجاوز ظروفه الصعبة، بكل ما أوتي من مقدرة وحيلة لا تخطر على بال الزائرين!.

تحليلات سائق التاكسي ليست ثرثرة مجانية، إذ تضاف قيمتها – اختياراً – إلى قيمة الترحيل.
ابتسامات الجرسون تجبرك بذوق – على دفع (البقشيش).
حتى المتسولون يصعب أن تتجاهل دعواتهم لك ولأبنائك بالخير والصحة، دون أن تُدخل يدك في جيبك.. حاسة ما ترشدهم إلى ما يقلقك!.

ضحكت كثيراً ذلك الصباح عندما اطّلعت على خبرين في الصحف، أولهما: أن شركة عقارية قامت بتأجير (رداحات) للرد على متعاملين معها. ضاق صدرهم من عدم التزامهم بوعود التسليم وكثرة زياراتهم الاحتجاجية، فكان خيار الشركة استئجار (الرداحات) لرد الإساءات بمثلها أو أسوأ منها!.

أما الخبر الثاني: أن حزباً قام باستئجار متظاهرين – الفرد بعشرين جنيهاً – للتظاهر باسمه.

ومن قبل وإلى اليوم، كانت الظاهرة المثيرة إيجار (البلطجية) في الصراع السياسي للقيام ببعض المهام التي تستنكف عضوية الأحزاب القيام بها.
وما تزال في الذاكرة القريبة ما قامت به المذيعة اللامعة هالة سرحان، في برنامجها المشهور (هالة شو)، عندما استأجرت بعض النساء للقيام بدور (عاهرات) لدراسة الظاهرة.

المدهش أن فضائية منافسة، قامت باستغلال ذات النساء ليعترفن باتفاقهن مع هالة، ويقبضن على ذلك (ما فيهو النصيب) مقابل (الادعاء) و(الاعتراف) كذلك!.

الخرطوم:ضياء الدين بلال :رئيس تحر السوداني

Exit mobile version