المهم أن أمر وفاة بعض المواطنين في مستشفى الخرطوم بحري لعدم توافر الأوكسجين، جعلني أحزن ولكنه لم يجعلني «أتعجب»، ولكن ما جعلني أغضب هو أن وزارة الصحة قالت إن الوفيات حدثت ولكن بسبب زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في رئات المتوفين، وليس لعدم وجود الأوكسجين في الأسطوانات التي كانت موجودة في قسم الحوادث بالمستشفى ساعة وصول المرضى الذين جنوا على أنفسهم وعلى سمعة الوزارة باستنشاق غاز ضار، وهو «منطق المرحوم غلطان»، وكلام الوزارة عن توافر الأوكسجين بالمستشفى غاز يسمى «ثاني أوكسيد الميكرفون»، وهو نوع من الغازات أكثر ضررا من النوع المسيل للدموع، لأن الغرض منه تعطيل الدماغ وشل التفكير بكلام الطير في الباقير، باستخدام وسائل الإعلام لإسكات الذين في قلوبهم مرض الذين يشكون من عجز الوزارة عن التصدي للمرض رغم أنها سمحت للعطارين والحلاقين وكتاب الحجابات والمحايات بتوفير الحرجل والقرض، بل وحتى جهاز الساموراي الذي يعالج الهناي وتم الترويج له علنا، بزعم أنه يجعل العجوز ابن التسعين يتزوج بنت العشرين وينجب كتيبة من البنات والبنين.
ما يغيظ ويستفز ليس أن وزارة الصحة تتعامل مع الجمهور وكأن كل فرد منه بـ»قنبور»، فقد تقنبرنا من زمان واللي شبكنا يخلصنا، بل أنها قالت باللفة إن كذا دكتور في مستشفى بحري طرطور، خاصة شهود العيان على المأساة، أما الشركة التي أحجمت عن تزويد المستشفى بالأوكسجين ببلاش لأنها لم تتسلم مستحقاتها عن توريدات سابقة فهي إما تابعة لكتائب القذافي أو قطاع الشمال في الحركة الشعبية أو الشبيحة في سوريا.
وقد أكرمني الله بأن غرس في وجداني الانتماء للسودان الحدادي مدادي، فوطني الصغير بدين والخرطوم بحري هي مسقط رأسي وكوستي هي مرتع صباي وشبابي، ومنذ أن زرت مدينة الأبيض لأول مرة صرت قتيل هوى كردفان، وكلما أحسست بالضيق وجدت المتنفس في أغنية أو قصيدة «شايقية»،.. والشاهد يا وزارة الصحة هو أنني أعرف مستشفى بحري مثل جوع بطني وأعرف أنه بكامله بحاجة إلى «الإنعاش» لأنه يعاني من الجفاف والتصحر من حيث الموارد.. وقد زرت قسم الحوادث بعد وقوع المأساة وحسبت أنه «على بعضه» تعرض لحادث، وصرت موقنا بأن مكانه الطبيعي مقابر حلة حمد «إثر علة أمهلته طويلا»، وحينها لن يذكر محاسنه أحد لأن الكذب حرام… وبدلا من إنهاء خدمات هذا الطبيب أو ذاك مارسوا القتل الرحيم euthanasia وارحموا المستشفى وارحمونا منه، وعلى من يحتاج جرعة من أوكسجين من اهل بحري ان يسافر الى الأردن ولن يكلفهم ذلك شططا.. كلها 500 دولار، وهو المبلغ الذي تكرمت الحكومة مشكورة للسماح به لكل من يريد السفر للخارج لزرع قلب أو إجراء عملية بواسير بتحويله، والغرض من هذا الإجراء العبقري هو توزيع الثروة بخلق أثرياء جدد: يعني الضرورة تحتم على شخص ما توفير 30 ألف دولار في الخارج، فيتصل بمغترب ويقول له: سعر الدولار في السوق السوداء 4200 وأنا أشتريه منك ب6000 جنيه…وإذا رأيتم أبو الجعافر يركب هامر بعد أشهر فاعرفوا أنه أصبح حراميا ولكن بـ»قرار رسمي».
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]