هل تبقى الصين قوة اقتصادية مسالمة ؟

[JUSTIFY]هذا العام نجحت الصين في تخطي الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح القوة التجارية الأولى في العالم، وذلك بعد أربع سنوات على تبوئها المركز الأول في العالم في لائحة الدول المصدّرة . لقد أضحت امبراطورية الوسط قوة مركزية لا غنى عن دورها في الاقتصاد العالمي . وينضم لها في كل يوم شركاء تجاريون جدد لتصبح الشريك التجاري الأهم لعدد كبير جداً من دول العالم ،وقريباً جداً ستحتل المركز العالمي الأول في هذا المجال أيضاً . هذا ما أعلنه، في الشهر الماضي، الاقتصادي البريطاني جيم أونيل المختص بائتلاف البريكس الذي تنتمي اليه الصين .

هذا التطور المتسارع سرعان ما سيطرح إشكالية سبق أن طُرحَت على كل القوى العظمى في التاريخ . فالسعي وراء الموارد والأسواق هو الدافع الأساسي لهذا الانتشار الجيوستراتيجي العالمي للصين . وهو يتمحور حول مفهوم الصعود السلمي والذي أعيدت تسميته النمو السلمي الذي نَظر له زهان بيجيان في بداية العقد الماضي والذي يقدم إلى العالم صورة زاهية مسالمة للصين التي تبحث عن الرخاء المتبادل والمصالح المشتركة والتي تقطع مع مفهوم القوة الدولية الساعية وراء الاستغلال والهيمنة التي تفرض نفسها بالعدوانية والعنف . ولكن السؤال هو ماذا سيكون الوضع عندما ستشعر الصين بالحاجة لحماية استثماراتها ورعاياها ومصالحها وطرق مرور قوافلها البحرية؟ فالحرب الليبية، في العام ،2011 على سبيل المثال أجبرت بكين على إجلاء رعاياها البالغ عددهم 63 ألفاً وذلك بمساعدة بعض الحلفاء . وماذا عن أنغولا، مثلاً، حيث يقطن 18 ألف صيني وقد تضطر الصين لحمايتهم وإجلائهم على وجه السرعة؟ هذا السؤال يطرحه ماتيو دوشاتيل ،المختص بالمسائل الأمنية في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي ينطلق من التغطية الاعلامية الصينية الواسعة لمحاكمة القراصنة المسؤولين عن مقتل طاقم سفينة شحن صينية في نهر ميكونغ ليؤكد أن المستقبل غير البعيد سيشهد تحولاً في طبيعة الوجود الصيني في الخارج ونزعة جديدة لحماية الممرات البحرية والمصالح والرعايا بالقوة العسكرية وليس بالدبلوماسية فحسب .

لوقت طويل كانت بكين تستخدم السلاح الاقتصادي لمعاقبة أو لردع الدول التي تعترف بتايوان . ومنذ العام 2008 وعودة الحرارة إلى العلاقات الصينية-التايوانية فإن هذا السلاح الاقتصادي استخدم مراراً في منازعات حدودية ضد دول مثل الفيليبين واليابان أو لردع دول عن استقبال الدلاي لاما . واليوم إضافة إلى السلاح الدبلوماسي – الاقتصادي يبرر المسؤولون الصينيون، في النقاشات الداخلية، العزم على بناء أسطول قوي لأعالي البحار بضرورة تأمين حماية الممرات البحرية .

إن المفهوم الصيني لالفرص الاستراتيجية كما شرحته وكالة الصين الجديدة في نهاية العام الماضي يحمل الكثير من المعاني الملفتة لاسيما في ما يخص العلاقة التفاعلية ما بين الاقتصاد والاستراتيجيا الصينيَين . فالنجاح الملفت للصين ،كما يقول النص، سببه قدرتها على التقاط الفرص الاستراتيجية التي تمر أمامها، سواء لجهة تطوير ابتكارات مستقلة وخاصة بها في مجال تكنولوجيات الاعلام التي تعيش طفرة حقيقية أو في الدخول إلى المنظمة العالمية للتجارة أوالحسنات التنافسية لليد العاملة الصينية الرخيصة ،وذلك في لحظة يتخبط فيها الغرب في مواجهة تحديات ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 . وتنصح وكالة الصين الجديدة الرسمية بأن يبرهن البلد كله عن المزيد من الحماسة و الاصرار على استغلال هذه الفرص .

واليوم يمكن اعتبار الهشاشة الاقتصادية، لليابان وللغرب عموماً،أحد هذه الفرص الاستراتيجية في نظر الاستراتيجيين الصينيين . انها ربما فرصة نادرة لاستعادة الأراضي المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي والجنوبي، والتي تعتبرها الصين ملكاً لها بموجب الحقوق التاريخية الثابتة .

وهذا المطلب يعتبره الصينيون دفاعياً قبل كل شيء . وهو يعطي مصداقية للبحرية الصينية عبر فتح أعالي البحار أمامها وفرض ما يشبه مبدأ مونرو في المنطقة ( في العام 1823 فرضت الولايات المتحدة على القوى الاوروبية حصاراً في أمريكا اللاتينية والكاريبي من أجل توكيد هيمنتها الحصرية على هذه المنطقة من العالم التي تعتبرها حديقتها الخلفية الخاصة) .

في مؤتمره الصحفي الأول بعد تعيينه رئيساً للوزراء، في 17مارس/آذار الماضي، حاول لي كيكيانغ طمأنة العالم حول النوايا الصينية بالقول: حتى لو أضحت الصين في أحد الأيام قوة عظمى فاننا لن نسعى أبداً للهيمنة وذلك لأننا نعلق أهمية كبرى على النمو السلمي وعلى المحافظة على سيادتنا وسلامة أراضينا مضيفاً وهذان الوجهان ليسا متناقضين بل أساسيين للاستقرار الاقليمي والسلم الدولي . رغم ذلك فإن السيادة وسلامة الاراضي تعني، بالنسبة للصينيين، عدم التنازل عن ذرة من المناطق التي تحتلها اليابان اليوم في بحر الصين الجنوبي وسنكاكو (دياويو بالصينية) .هذا في وقت لا ينفك فيه الرئيس الصيني الجديد كي جين بينغ يحتفل بالولادة الكبرى للامبراطورية الصينية . وهذا ما يدفع المحللين للتساؤل : متى سيغدو السعي وراء الأمن سعياً وراء القوة؟ والمزيد من القوة والقدرة؟ لتمسي الصين قوة دولية عظمى (أو أعظم ربما) على غرار ما عرفه العالم عبر التاريخ .

الخليج
غسان العزي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version