الأمنية والواقع

[ALIGN=CENTER]الأمنية والواقع [/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]لا أعرف من يشاركني الشعور باكتشاف متأخّر جداً لواحدة من الأناشيد التي كنا نتغنى بها أيام المرحلة الإبتدائية، ولا أعرف هل كانت تلك الأناشيد والمناهج الدراسية بطريقتها تلك مقصودة أن تكون هكذا أم فات على أساتذتنا ببخت الرضا، فهي جميلة المغنى والمعنى وفارغة المحتوى واقعياً.
ولأن الذاكرة لا تزال تحتفظ بـ(يا طير غني غني… انا أغني معك… لو كان عندي جناح… كنت أطير معك… إلخ)، فهي كذلك تذكر أيضاً شيئاً آخر لم أتبينه سوى نهار أمس فقط.
ما تذكرته يا سادتي القراء طفولة جميلة على شاطئ النيل الأبيض باللاماب بحر أبيض، وفي ذلك الزمان كانت على الشواطئ قشارات الفول السوداني من الناحية الشرقية للنيل وتقع غرب الحلة وشمال الري المصري والمقابر. وشمال تلك القشارات عدد كبير من الأشجار الوريفة. ولك أن تتخيل الحركة في مثل تلك المنطقة فليس الإنسان فقط هو من يتحرك إلى هناك فجوالات الفول السوداني المرصوصة تلك لم تكن تجذب فضول الأطفال مثلنا آنذاك وحدهم بل الحيوانات كذلك.. وطبعاً الطيور خاصة.. وتلك الطيور هي هدف ذهابنا غالباً إلى طرف النيل.
ولإعطاء صورة أكبر إطاراً لما كنا نعيشه مع تلك الطيور رغم ما نتغنى به في المدرسة من أناشيد جميلة قمنا بتلحينها بألحان لا تقل روعة عن الكلمات ولو كنت درست الموسيقى لكتبتها هنا حتى تقتنع بما أقول.. المهم.. كنا نتشوق للعودة إلى البيت بسرعة حتى نغير الملابس ويحمل كل واحدة منا (النبلة) المصنوعة من بلاستيك إطارات الدراجات، وقد ملأ كل منا جيوبه بـ(الحصى) التي نعرف حتى الآن أنها أفضل ذخيرة تقسط لنا الـ(ود أبرق والزرزور والقمري) بل إن بعضنا كان يوجه نبلته نحو كل ذي ريش طائر!!!
أرأيتم كيف اختلف ما كنا نتغنى به ودرسناه في (حجرات الدراسة) عن ما نعيشه في الواقع، وتخيلوا معي كيف يكون حال بقية أنحاء السودان فأنا لم أسرد لكم المغامرات التي تتم بالشرك وغيرها.
ومن الطرائف والمواقف المشرقة التي يجب تسجيلها هنا هي موقف الوالدة من هذه الوحشية التي لا تعجبها في حق الطيور فمرة تحاول إثناءنا عن تلك الفعلة القبيحة ومرة أخرى تحاول التأثير علينا بقوى خارقة تؤمن بها وعلينا كذلك الإحتذاء بها وهذا ما قصدته بالطريفة. فحسب قناعات الوالدة وأهل والدتها فهذه الطيور والعصافير الصغيرة ما هي سوى كجور يحرم على معتقنيه قتلها وإلا حلت عليهم اللعنة فتصاب عيونهم بإلتهابات وأمراض تؤثر على بصرهم وهذه اللعنة أيضاً تلحق بأحفاد هؤلاء.. لقد اكتشفنا بأن الكجور أيضاً لعب دور حامي البيئة قبل أن نقرأ حقوق الحيوان والطيور.
وما يستغرب له أننا لم نكن نخالف النشيد عن قصد، لكن كنت اضحك على درس آخر كان عنوانه: (شرف والاسد) الذي في نهايته نجد بأن شرفاً قد طعن وطعن وطعن الأسد وقتله؟![/ALIGN]

كلام الناس – السوداني – العدد رقم 1070 – 2008-11-5

Exit mobile version