فمن حيث الجغرافية تمثل منطقة غرب النوير موقعاً مميزناً لشن حرب طويلة الأمد في جنوب السودان لان المنطقة تمر بها الطرق السهلة التي يمكن عبرها الصعود والنزول في الإقليم ولا يوجد طريق أخر إلا في الاتجاه الشرقي في محاذاة الحدود الإثيوبية وعليه فإن من يسيطر علي المنطقة في حكم من سيطر علي جنوب السودان ويستطيع ان يمنع أي تحرك نحو الشمال خاصة في منطقة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة التي تقع في القلب من إقليم غرب النوير ويقال ان المفردة أصلاً معناها الهم وبلغة النوير لان الجنوبي الذي يتعين عليه ان يعبر الإقليم نحو الشمال حينما يصل الي وسطه يعتريه الهم أي انه يهم وينطقونها “بيتم” واليت حرفت الي بانتيو والسبب في الإحساس بالهم وهو الخوف الذي منع من ظهوره كبرياء القبيلة ترجعه الأساطير الي أن هنالك حيواناً خرافياً يعيش في المنطقة يلتهم كل من يمر من هنا في وقت لا يستطيع ان يمر بغيره لعدم توفر طرق أخري.
وبعيداً عن الأساطير فالتاريخ يحدثنا ان كل من سيطر علي هذه الجغرافية حاز ميزة مقارنة علي خصمه في القتال ولعل حروب النوير مع الانجليز التي طال أمدها حتى صارت من أهم المراجع في علم الانثربولوجيا تعود نوعاً ما الي ان فرسان القبيلة حاربوا من علي موقع متميز، وفي الصراع الجنوبي الأول لم يبرز دور منطقة غرب النوير لان التمرد أصلاً قد دار في الاستوائية لكن حينما تجدد القتال في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي عادت المنطقة للتأثير في الأحداث والتي دارت هذه المرة في منطقة أعالي النيل الكبري التي تتبع لها منطقة غرب النوير وظهر من قادتها ضمن جيل المؤسسين للجيش الشعبي القائد وليم نون ثم تبعه في الظهور فاولينو ماتيب وبيتر قديت وهذا الأخير وصفه د/ الطيب حاج عطية بأنه من أشرس مقاتلي البحيرات ومن التأثيرات المباشرة لنشاط المتمردين الأوائل وقف نشاط شركة شيفرون صاحبة الامتياز بالتنقيب عن النفط في جنوب السودان لكن مع تطور الصراع بعد وصول الإسلاميين الي السلطة في الخرطوم وانحياز فاولينو الي جانبهم حينها ظهرت أهمية الموقع في الحد من تحركات الجنوبيين للالتحاق بحركة قرنق والذين حصرتهم نيران فاولينو في الطريق الشرقي المحاذي للحدود الإثيوبية هذا الي جانب أهمية المنطقة في حراسة آبار النفط ولم يستطيع قرنق ان يكسر سيطرة فاولينو والذي تتضارب الأخبار بأنه قد القي أكثر من 3000جنوبي في البحر كانوا يودون الالتحاق بقرنق إلا بالتمدد في الشمال وفتح منطقة جبال النوبة الغربية بقيادة يوسف كوة ومنطقة النيل الأزرق الشرقية بقيادة مالك عقار، في تلك الأثناء تمكن قرنق من سحب بقايا جيشه التي أجلتها قوات فاولينو الي القتال في منطقة الخرسانة المكشوفة أمام الطيران السوداني الغريب في الأمر ان تلك القوات حين صدرت لها الأوامر بالانسحاب غبراً ومساعدة يوسف كوة في تأسيس المنطقة الغربية كانت تلك القوات بقيادة رياك مشار الرجل الذي شكل فيما بعد تهديداً حقيقياً لقوات الجيش الشعبي في المنطقة وتعقب قبيلة الدينكا في انسحابها جنوباً حتى تدخلت القوي الغيبية ممثلة في أرواح الأسلاف لإيقافه عن حرب عرفت بأنها الأكثر ضراوة في تاريخ النزاع الجنوبي وان الفظائع التي ارتكبتها قوات مشار لم يرتكبها الجيش السوداني لكن الذي ترسخ في أذهان العسكريين السودانيين في الجنوب والشمال هو أن من يتمرس بمنطقة غرب النوير يصعب قتاله كما تصعب السيطرة علي المنطقة إلا بالتفاهم معه وقد سيطرت عليها الحكومة السودانية عن طريق استمالتها السيد فالولينو وبعد الانفصال أصبحت المنطقة تابعة لجنوب السودان بحكم الاتفاقية وبالتفاهم مع نفس الرجل الذي أصبح نائباً للقائد العام للجيش الشعبي في وقت كان قد سبقه فيه كل من رياك مشار وتعبان دينق بالعودة للحركة الشعبية بعد فشل اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعوها مع الخرطوم عام 1997 لتدخل الحركة في اجواء السلام التي لاحت بتوقيع اتفاق ميشاكوس الاطاري عام 2003 موحدة.
إذاً المنطقة اندرجت في الجغرافية السياسية لجنوب السودان التي رسمتها أو أعادت رسمها اتفاقية السلام الموقعة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني عام 2005 وفق مساومة سياسية كبري وهي نفس المساومة التي ضمنت لقيادات المنطقة مواطئ أقدام في الكبينة القيادية للحركة الشعبية والجيش الشعبي وهي نفس القيادات التي أقالها في الأيام القليلة الماضية السيد سلفاكير ميارديت ممثلة في كل من تعبان دينق والي ولاية الوحدة التي يأتي منها كل بترول جنوب السودان الذي يمثل 98% من ميزانية دولة جنوب السودان والثاني هو رياك مشار نائب رئيس الدولة والحزب الحاكم.
صحيفة الخرطوم
قرشي عوض