توقفت أمامهما سيارة (توكسان) بداخلها اثنان من الشبان اللذان أطلقا رجاءاتهما بأعين (والهة) للفتاتين

كانت الساعة (تجر) ثوانيها على (مهل) مساء أمس الأول في حوالي الساعة الحادية عشرة مساءً بـ(شارع النيل) بالخرطوم الذي بدأت تنشط فيه حركة لعدد غير قليل من شباب الخرطوم الذين يأتون إليه راكبين أو راجلين من المناطق المتاخمة للشارع، والذي أصبح قبلة الشباب الأولى خلال فترة ما بعد التراويح. وعند الرصيف الجنوبي حينما كانت فتاتان تسيران (الهوينى) بعد أن خلعتا الوقار الذي تدثرتا به خلال النهار، وتعالت أصوات ضحكاتهما بشكل لفت إليهما أغلب رواد الشارع، ولم تطل ردة فعل البعض كثيراً سرعان ما توقفت أمامهما سيارة من نوع (التوكسان) بداخلها اثنان من الشبان اللذان أطلقا رجاءاتهما بأعين (والهة) للفتاتين اللائي كنتا تتبختران بدلال لم تخطئه (أنفس الشباب الأمارة بالسوء) خلال مساء الشهر الكريم، إلا أن ردة فعل الفتاتين كانت (التجاهل) التام الذي لم يفت في عضد (همة) المتربصين بهما، وعندما رأيا تمنع الفتاتين مضيا إلى اتخاذ خطوة أكثر جرأة وترجلا من السيارة بهدف إقناع الفتاتين بالركوب معهما، إلا أن الفتاتين تماديتا في (تمنعهما) وأسرعتا بخطوات مسرعة إلى الجهة المقابلة للشارع، ورغم أن أضواء الشارع كانت قوية وكثيفة (تستطيع أن تلمح فيها جناح بعوضة)، إلا أن جرأة الشبان لم تنقص مقدار (عزم) وأسرعا (لاهثين) خلف الفتاتين إلى الجهة الأخرى من الشارع حتى لا يفوتهما ما يعتقدانه (صيداً سميناً) وسط أنظار رواد الشارع الخرطومي الكبير وتعلقاتهم الساخرة والساخطة على الفتيان والفتيات على السواء… انتهى مشهد (المطاردة) الغرامية الرمضانية بإيقاف الفتاتين سيارة أمجاد (انحشرتا) فيها على عجل وبنظرات زائغة وخجولة، ومضت السيارة الصغيرة تنهب بهما الأرض لا تلوى على شيء، فيما قلب الشابان كفيهما وهما (خاويتان) يعتصر قلبيهما حزن وقتي على ما فرطا فيه وأسرعا بخطوات (غير خجولة) إلى سيارتهما ربما بحثاً عن (صيد يكون أسهل من سابقه).
ما سبق رأيته بعيني أمسية أمس الأول في شارع النيل بالخرطوم، وهو ما يمثل (تعدياً سافراً) على حرمة الشهر الفضيل سواء من الفتيات أو الفتيان على السواء، وهو الأمر الذي وافقني فيه المهندس “محمد الدسوقي” أحد رواد شارع النيل الذي أعرب عن امتعاضه من الحادثة، مضيفاً أن شهر رمضان لا ينفصل ليله عن نهاره وما يبتعد عنه المسلم نهاراً يجب أن يكون بعيداً عنه أيضاً أثناء الليل، منتقداً في ذات الوقت سلوك الفتيات الذي أجبر الشباب على التمادي و(ملاحقتهن) حتى يرضخن لرغباتهم، وختم حديثه قائلاً: (ربنا يهدي الناس للطاعات في هذا الشهر المبارك).

تناقض ظاهر
ويعلق الدكتور “محمد بولو” الاختصاصي في العلوم الاجتماعية، على هذه الظواهر بأن الأصل في الشهر المبارك هو ازدياد مظاهر التدين من امتلاء المساجد وإقبال الناس على الصلوات والتراويح، وانتشار اللباس المحافظ، وتوسع مظاهر الجود والإنفاق.
وتابع “بولو”: أنه للأسف تنتشر مظاهر أخرى سلبية تكاد تضيع مقاصد هذا الشهر الفضيل، من قبيل السهر الكثير بالليل من دون فائدة، وملء الوقت بتوافه الأمور، مثل لعب الورق وأخطر ما فيه عندما يتحول ذلك إلى ميسر وقمار.
كما أشار إلى انتشار ظاهرة (التسكع) مباشرة بعد تناول وجبة الإفطار، عند فئات كثيرة في الشوارع العامة، وعلى شارع النيل خاصة، وغالباً ما يكون التساهل في الملابس والعلاقات وتنشط المعاكسات والمظاهر المخزية في الأماكن المعتمة.
والغريب، أن العديد من الأسر يتساهلون في خروج المرأة ليلاً في رمضان ما لا يسمحون به كثيراً في غير رمضان، كأن الناس يخففون من التكاليف وينفلتون من صرامة الانضباط في نهار رمضان، الأمر الذي يفيد أن رمضان قد انقلب عند البعض مجرد عادة يقلب فيها الليل إلى نهار ويقلب فيها النهار إلى ليل.
واستطرد الباحث بأن ليالي رمضان صارت عند البعض فرصة للتنفيس والتعويض عن (الحرمان)، وذلك في غفلة تامة عن مقاصد الصيام وأهداف هذه العبادة من التقوى والصلاح، والتخفيف من الذنوب والمعاصي، والإكثار من أنواع البر والحسنات، مشيراً إلى أن البعض يزدادون فسقاً وفجوراً في رمضان، غافلين حرمة الشهر وقداسة الموسم وعظم الإثم فيه كعظم الثواب في رحابه.

المجهر السياسي
Exit mobile version