وكشفت التحريات أن المتهمين في هذا البلاغ من حفظة القرآن فضلاً عن مستوياتهم الأكاديمية الرفيعة، وقد وضح أنهم من خريجي جامعات عريقة ومن كليات مخلتفة مثل كليات الهندسة والطب والقانون، وألقت السلطات الأمنية القبض عليهم أثناء قيامهم بعمليات تدريب عسكري بغرض تكوين خلية إرهابية للانضمام لجماعات في دول أخرى من بينها مالي والصومال واستغلوا الظروف البيئية والأمنية لحظيرة الدندر المحمية ونفذوا عملياتهم التدريبية، بعد معسكر زادت فترته عن ثلاثة أشهر.
من العدل للقضاء ستبدأ في غضون الأيام المقبلة محاكمة المتهمين بعد مخاطبة المدعي العام لجمهورية السودان لرئيس القضاء لتحديد محكمة محددة بالخرطوم، وأشار نائب المدعي العام إلى أن المتهمين في الأحداث «20» متهماً محتجزون بسجن الهدى و«10» آخرين بسجن كوبر وإن كانوا في الفترة الأخيرة تمت إحالتهم جميعاً لسجن الهدى. تحديات المحكمة تختلف هذه المجموعة عن سابقاتها وإن كان الاتهام بذات المواد التي وقع تحت طائلتها من سبقهم، ولعل طبيعة الفكر الذي تحمله هذه الجماعة فضلاً عن مستوياتها العلمية يضع المحكمة أمام تحديات كبيرة أولها مسألة التأمين، فخلية بهذه المواصفات وبلا شك تعتمد على أذرع خارج قفص الاتهام، الأمر الذي قد يشكل مهددًا أمنيًا على ساحة القضاء لا سيما أنه لم يسبق أن تشهد منصة القضاء محاكمة مثل هذا العدد، فهل يستقيم عقلاً سير إجراءات محاكمة «30» متهماً برفقتهم هيئة دفاع لا تقل عن عددهم مضاف إليهم أسرهم وأولياء أُمورهم مع وجود مناديب الصحف وقادة الرأي العام في قاعة مهما كبرت سعتها فلن تسعهم؟ ولن يكون هنالك بيئة مثالية للقاضي، وهل هنالك خيار آخر للنظر في الدعوى خلاف المحاكمات في المنصات العادية؟.مما يجدر ذكره أن المعروضات المتعلقة بهذا البلاغ على مستوى عال من الأجهزة التقنية المستحدثة والتي تتمثل كواشف ومحددات المواقع الجغرافية «gbs» فضلاً عن أسلحة ومهام عسكرية وخرط وحواسيب وبرامج اتصالات متطورة، مما يتطلب تحوطات أمنية مشددة، خاصة أن إجراءات محاكم الإرهاب تعمل وفق أُسس ومعايير تختلف عن إجراءات المحاكم الجنائية العادية. خلفية عن الوقائع وفي نهاية شهر نوفمبر من العام السابق وضعت الأجهزة الأمنية يدها على جهاديين يتدربون داخل معسكر بحظيرة الدندر التابعة لولاية سنار واستطاعت القوة المكلفة بمداهمة المعسكر ومحاصرة أفراد الخلية الذين وصل عددهم لـ32 عنصرًا، لقي الجندي محمد أحمد من أبناء الدندر ــ حتفه خلال عملية الاشتباك وتبادل النار بين الطرفين وعلى صعيد الجبهة السلفية قُتل كلٌّ من المهندس أبو أيوب أحمد حسب الرسول آدم الكاهلي والدكتور أبو خالد أحمد الحسن مبارك، ود راوة، بينما أُصيب عمر محمد الجزولي بطلق ناري، وتم إلقاء القبض على العقل المدبر والدينمو المحرك للخلية الدكتور أسامة أحمد عبد السلام ورفيقه حيد عز الدين وأبو أسامة عمر عبد الله، وهؤلاء كانوا ضمن خلية السلمة «2007م» وأحد المعتقلين في قضية مقتل موظف وكالة المعونة الأمريكية الدبلوماسي جون غرانفيل في مطلع العام «2008م»، وهو قصي الجيلي، ومحمد عبد الله الذي يُعد من أقرب عناصر الخلية لمجموعة «السائحون» إضافة إلى شقيقين هما «منتصر ومؤيد» ومؤمن اللامابي بجانب آخرين
سيناريهات مُحتمَلة وضع خبراء في الشأن القانوني والسياسي عدة سيناريهات مُحتمََلة وجاء في مدوَّناتهم على الفيس بوك: ولأن في القضية أطرافًا أخرى ذات صلة مباشرة بالأمر ممثلة في الحق الخاص الذي يلي أسرة الشرطي القتيل فإن ما تردد أن ما جرى من تسوية تمت بين أسر المعتقلين وأولياء الدم وصل لمحطة إيجابية قضت بالصلح مقابل الدية لتبقى تهمتان في مواجهة الجناة حيث من المقرر أن توجَّه للمعتقلين تهمة «الإرهاب» وهي مواد «5/6» من قانون مكافحة الإرهاب والمادة «26» من قانون الأسلحة والذخيرة وربما تضاف لها تهمة «التجمهر غير المشروع أو المحظور» لينفتح الوضع في المستقبل القريب على ثلاثة سيناريوهات أو احتمالات إمّا السير في الخط القضائي والاتجاه نحو محاكمة المتهمين بـ «إدانتهم أو تبرئتهم» في إطار الحق العام بعد سقوط الحق الخاص لأولياء الدم أو فتح مشروع المراجعات الفكرية والدخول في برنامج حوار موسع مع المعتقلين بانتداب هيئة من العلماء والدعاة وقد تردد أن الشباب المعتقلين طالبوا الحكومة بإبلاغ الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف لمناظرة الجهاديين بالمعتقل أو إصدارعفو عام في حق هؤلاء المحبوسين خاصة أن العقوبات في حالة وصول ملف القضية للمحكمة هي السجن والغرامة وقد تصل إلى الإعدام، وقد تتلاقى كل تلك السيناريوهات وربما تتقاطع مع بعضها حسب الظروف وتطورات الواقع السياسي.
خصوصية المتهمين المتهمون ثلة من الشباب الذين عُرف عنهم الورع والمعرفة وحب الجهاد ويحملون أفكارًا تختلف عن أفكار الجماعات المتطرفة وهذا ما أشارت إليه مجريات التحقيق، كما أن معظمهم من تيارات غير السلفية المعروفة الأمر الذي يجعل تقييم البلاغ أمراً في غاية الدقة والاحترافية القانونية وقبل أن نفصل محتوى ذلك يمكن الرجوع لبعض الأحداث التي نفذتها جماعات متطرفة في أوقات سابقة وشهدت البلاد فيها أحداث عنف دامية أدت إلى مقتل عشرات المواطنين. الخليفي بالثورة في ديسمبرعام «1993» هاجم عبد الله الخُليفي ـ ليبي الجنسية ـ برفقة سودانيين مسجدًا لجماعة أنصار السنة بالثورة أم درمان عقب صلاة الجمعة، وأسفر الهجوم عن مقتل «25» من المصلين وراجت أنباء وقتها أن زعيم تنظيم القاعدة الذي كان يقيم بالخرطوم كان أيضًا هدفًا لجماعة الخليفي.عباس الباقر في الحتانة وفي رمضان عام «2000» هاجم متطرف يُدعى عباس الباقر المصلين أثناء صلاة العشاء والتروايح بمسجد لجماعة أنصار السنة بحي الجرافة شمال أم درمان وقتل «27» شخصاً وجرح نحو «10» آخرين. خلية السلمة كشفت الشرطة عام «2007» خلية بحي السلمة جنوب الخرطوم ضمَّت مجموعة من الشباب كانوا يعتزمون الهجوم على المنظمات الأجنبية بإقليم دارفور». اغتيال قرانفيل وفي الساعات الأولى من اليوم الأول من يناير عام «2008م» اغتيل الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل وسائقه السوداني بالخرطوم بواسطة شباب أحدهم يعمل ضابطًا بالقوات المسلحة وألقي القبض عليهم وحوكموا بالإعدام. تكفير في المولد وفي العام «2009» وقعت مواجهات بالسلاح الأبيض بين جماعة التكفير والهجرة، وكان بينهم أجانب ومصلون بمسجد حي العشير بود مدني لجهة احتجاج الأوائل على ممارسات المواطنين خلال احتفالهم بالمولد النبوي، وهاجم متطرف يحمل سلاحًا أبيض مسجدًا بحي النصر «40» بمدني تم القاء القبض عليه في لحظتها. الدندر رؤية جديدة من خلال متابعة ملف خلية الدندر يتضح أن السلطات الأمنية تعاملت مع هذا الملف بخصوصية تمثلت في إحالة المتهمين لنيابة جرائم التحقيقات الجنائية وهي نيابة على درجة عالية من الكفاءة وهذا لا يقدح في كفاءة نيابة أمن الدولة بل تشير الخطوة لاعتبار الحادثة جنائية ومن ثم السير بها نحو أضابير القضاء وساحات العدالة المفتوحة، بعيداً عن التقاطعات السياسية. وقد استمرت التحريات زهاء الخمسة شهور وقد حققت فيها تقدماً كبيراً اطمأن له حتى أولياء أمور المتهمين عند زياراتهم لأبنائهم في المعتقل وتفقد أحوالهم، ومن هذا المنطلق تتضح الرؤية الثاقبة للمدعي العام في أنه وُفِّق في إحالة ملف الدعوى إلى نيابة جنائية متخصصة في التحقيق لمثل هذه الجرائم.
بعدها أفرجت السلطات عن فوج من تلك العناصر المعتقلين على ذمّة التحقيق ومحاولة تفكيك الخلية بعد القبض على غالبية أفرادها في خواتيم شهر نوفمبر من العام الماضي. تغاريد الفيس بوك نشر التيار السلفي الجهادي علي صدر صفحته بالفيس بوك نبأ إطلاق سراح الشيخ أحمد سليمان ــ إمام مسجد عبد الله بن رواحة بحي العمارات ــ والمقرئ عمرو إبراهيم الذي كان يؤم المصلين في صلاة التراويح بمجمع الشيخ علي بن جبر آل ثاني بحي كافوري بجانب شاب ثالث يُدعى عثمان حسن يسكن بمنطقة جبرة في وقت تم فيه ترحيل بقية المعتقلين. ظلال المفاصلة كشف القيادي حاتم عكريب في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» معلومات جديدة عن هُوية المعتقلين وقال إنهم ضحايا خلافات الحركة الإسلامية السودانية في المفاصلة الشهيرة التي وقعت بين أركان النظام الحاكم في العام «1999م» مشيرًا إلى أنهم إخوان وأبناء قيادات في الحركة الإسلامية وأن الواقع السياسي المأزوم بالبلاد هو الذي أوصلهم لهذا الطريق!!
صحيفة الإنتباهة
علي الصادق البصير