نفس الشيء حدث من قبل عندما قررت وزارة تربية الإنقاذ أن تختزل عاماً من التعليم العام.. لا مبرِّرات مُقنعة ولا حيثيَّات صاحَبَتْ إصدار ذلك القرار!
فليجلس من اتَّخذوا قرار حذف العام الدراسي ومن اتَّخذوا قرار اليوم (التصحيحي) بالرجوع إلى ما كُنَّا عليه.. فليجلس الفريقان ليتناظرا أمامَنا ويسوق كلُّ فريقٍ مبرِّراته حتى نفهم شيئاً نحن الذين لا حول لنا ولا قوة ولا خيار غير الانصياع على غِرار ما تفعله (خادم الفكي المجبورة على الصلاة)!!
لا أدري والله حتى الآن أيهما أصحُّ.. القرار الجديد أم القديم بخفض سنوات التعليم العام وما ذكرتُ ما أقول الآن رفضاً لمبدأ مراجعة النفس والتراجع عن الأخطاء إلى حيث الحق المطلق لكنِّي فقط أُريد أن أرجع إلى ما ظللنا نتحدَّث عنه حول المؤسسيَّة والمنهجيَّة التي ينبغى أن تُتّبع في اتِّخاذ القرارات خاصَّة تلك التي تؤثِّر كثيراً على حياة الناس وهل من تأثير أكبر من أن تُضيف عاماً أو تخصم عاماً من عمر إنسان؟!
قبل أن أواصل في قضيَّة المؤسسيَّة أتساءل: لماذا قرَّرت وزارة التربية ضمّ العام التاسع إلى مرحلة الأساس؟! تخيَّلوا أنَّ المدرسة ستضم أطفالاً دون السادسة من أعمارهم مع صبيان بل شباب في سن السادسة عشرة من العمر يتزاحمون ويتعاركون في نفس الحمامات والكافتيريات والحيشان!!
أقسم بالله العظيم أن الأفضل للحكومة وهي تراجع قراراتها وتعود إلى ما كان عليه الحال قبل حالة الهياج الثوري الذي جعلنا، ولا نزال، نحشو مقرَّرات تلاميذنا بل تلميذاتنا بالمواد العسكريَّة والزراعيَّة… الأفضل للحكومة أن ترجع الى ما ورثته من النظام التعليمي (حق الخواجات) فهل من مقارنة بين حال التعليم اليوم وحاله بالأمس؟!
بل الأفضل أن ترجع الى نظام الحكم الإقليمي الذي ورثته من الخواجات قبل أن نُمسك بمعاولنا ونقسِّم السُّودان الشمالي إلى نحو عشرين ولاية كرَّسنا من خلالها القبليَّة ونحن نتحدَّث عن الوحدة استجابةً لنداء شيطاني مجنون يُسمَّى الحكم الفيدرالي نحصد اليوم زقُّومه المُر في النزاعات المسلَّحة التي تجتاح بلادنا.
لماذا يُضم العام التاسع ــ هذا إذا كان قرار إضافته نهائياً ــ لماذا يُضاف إلى تعليم الأساس؟!
عندما تحدثتُ عن المؤسَّسية كنتُ أقصد أن تنهض المؤسَّسات بدورها كاملاً وأن نفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وبين السلطتين الأوليين بصفة خاصَّة بحيث تمارس المجالس الشوريَّة أو التشريعيَّة دورها كاملاً.. قصدتُ أن تُقتل هذه القضايا بحثاً لدى ممثلي الشعب بما يحقِّق مصلحة الشعب المعني بأمر التعليم لكن متى قام أعلى المجالس التشريعية مقامًا، وأعني به المجلس الوطني، متى قام بدوره حتى في أخطر القضايا التي ندفع ثمنها المُر اليوم دماء ودموعاً وجوعاً ومسغبة واضطراباً سياسياً؟! هل نسيتُم نيفاشا ودور البرلمان في البصم عليها رغم كل ما فعلته بالسُّودان بعد ذلك وهل نسيتُم تخلِّيه عن دوره في فرض الدستور كمرجعيَّة عُليا تحكم البلاد وتمنع الاستبداد وتوفِّر الحرِّيات والتداول السِّلمي للسُّلطة بما يُتيح ممارسة ديمقراطيَّة حقيقيَّة؟!
في سويسرا عندما فكَّروا في إنشاء جسر على بحيرة جنيف يربط بين طرفي العاصمة السويسرية استفتوا الشعب هل نُقيم الجسر الذي يوفِّر على المواطنين وقتاً وجهداً أم أنَّ ذلك يؤثر على البيئة؟! فاختار الشعب العذاب وانصاعت الحكومة صاغرة، أمَّا نحن يا دكتور غازي فإننا نحتاج إلى إصلاحات جذريَّة وهيكليَّة ومؤسسيَّة وليست شكليَّة وأخشى أن يشملك التعديل الوزاري الترقيعي القادم وتسكت عن الكلام المباح فلطالما سكت أمثالُكم عمَّا كان ينبغي أن يصدعوا به![/JUSTIFY]
الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة