خطـــة «الشعــبــي» لإطــاحــة النظــام… البُعــد التاكتيكــي

[JUSTIFY]الخطَّة السريَّة لإطاحة النظام الحالي والتي أعلن عنها أمس الأول حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي، بدت في أكثر من زاوية مثيرة للتساؤلات والجدل من حيث توقيتها ودلالاتها ومغزاها خاصَّة أنها بعثت بتطمينات واضحة لتحالف المعارضة الذي استبدَّ به القلق بسبب إرهاصات التقارب بين شطري الحركة الإسلامية «معسكري القصر والمنشيَّة» حيث جاءت خطة «الشعبي» معزِّزة ومنسجمة مع خطة الـ «مائة يوم» المعلَنة من جانب تحالف المعارضة لتحقيق ذات الهدف وهو إسقاط النظام… في مفتتح اجتماعات هيئة القيادة لحزبه، أيضًا حذَّر الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي، من استخدام الخيار العسكري لإسقاط النظام، لكنه أكَّد اتفاق كل قوى المعارضة على تغيير الحكومة عبر ثورة شعبية قوامها المظاهرات والإضرابات.

أما أخبار الأمس فأكَّدت أنَّ حزب المؤتمر الشعبي شرع فى تنفيذ خطة إستراتيجيَّة سريَّة لإسقاط النظام أُعلن عنها عقب اجتماع هيئة قيادته العُليا الذي أمن بصورة كاملة على إسقاط النظام عبر ثورة شعبية تجتاح كل الولايات بجانب أن الحزب أمَّن على العلاقة الإستراتيجية مع تحالف المعارضة، هكذا أعلن «الشعبي» على الملأ «الخطة السرية»..!!!!!!!
كتمان على العملية:
الشعبي أيضًا بعث بتطمينات قوية للمعارضة طالما أنها لا تزال تعيش صدمة خطاب زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي الذي سخر من خطة «المائة يوم» وطرح خطة للتغيير تختلف تمامًا عن خطة المعارضة في وقت بدا فيه أن المهدي لا تفصله إلا خطوات متثاقلة من الحكومة التي يشغل فيها ابنه منصب مساعد رئيس الجمهورية.. في مؤتمره الصحفي الأخير أعلن الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر أن خطة حزبه التي تتعلق بإطاحة النظام الحاكم صدرت عقب الاجتماع الأخير الذي أصدر تكليفات إلى الولايات والعاصمة بالشروع فيها دون الإفصاح عن تفاصيلها، وقال إن «الصلاة فيها سر وجهر» وإن المرحلة المقبلة تقتضي الكتمان على العملية.. وكشف حزب الترابي عن اتجاه لتقييم خطة المائة يوم عقب شهر رمضان تمهيدًا لتحديد يوم للخروج في الثورة الشعبيَّة وطالب المؤتمر الوطني بالقبول بالوضع الانتقالي الكامل، مشددًا على أنه الاتجاه الأمثل للتغيير مشددًَا على عدم الإفلات من العقاب.
رسائل الشعبي:
من حيث التوقيت جاء إعلان خطة «الشعبي» لإسقاط النظام في وقت تواترت فيه تسريبات إعلامية عن تقارب «خجول» بين المؤتمرين «الوطني» «والشعبي»، وترتيبات للحوارالسري بين الطرفين تحت ضغط شباب الحزبين «سائحون» الذين تعلقت أرواحهم بتوحد شطري الحركة، لذلك كان لا بد للشعبي أن يبعث برسائل قوية في اتجاهين، الاتجاه الأول يستهدف «تحالف المعارضة» ومفادها: أن المؤتمر الشعبي لا يزال على عهده واتفاقياته والتزاماته مع المعارضة بإسقاط النظام على خلاف حزب الأمة القومي الذي يختلف مع قوى المعارضة في وسائل تغيير النظام، وأن الشعبي لا يرغب في الحوار مع الحكومة… أما الرسالة الثانية فأراد الشعبي أن يبعث بها لـ «الوطني» وذلك لتعزيز موقفه التفاوضي من خلال إثارة رعب القيادات المتنفذة وتخويفها بـ «الخطة» التي تهدف إلى تحريك الشارع في كل ولايات السودان ودعوته للانتفاضة ضد حكومة المؤتمر الوطني، ويعزِّز ذلك أيضًا تخويف ذات القيادات بمحاسبتها واستحالة إفلاتها من المحاسبة التي تنتظرها، ولا شك أن إثارة مثل هذه القضايا ستعمل على إرباك الخصوم وتدفعهم إلى التفكير في مخارج للإفلات من العقاب والمحاسبة بدلاً من التفكير في الاحتماء بالسلطة خاصة أن الاحتماء بالسلطة لن يدوم طويلاً مهما بلغت درجة الهيمنة عليها وعزل الآخرين، ومعلوم أنَّ قادة المؤتمر الشعبي الذين تجري ترتيباتهم السرية للحوار مع «إخوانهم» الحاكمين عندما يكون سقفهم الأعلى هو إسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية، ومحاسبة رموزه وتعهدهم بعدم إفلات أحد من المحاسبة فإن أي تنازل عن هذا السقف أثناء التفاوض المقبل سيكون حتمًا في مصلحتهم تمامًا… ويبدو واضحا أنَّ المؤتمر الشعبي الذي يستعد للحوار مع الوطني يمهد الطريق للتفاوض ويبحث عن كروت الضغط ونقاط ضعف لدى «إخوانه» في الحكومة، لأن الحوار مع الحكومة هو إستراتيجية «خفية» ظاهريًا يعلن المؤتمر الشعبي نقيضها وتتكشف جوانب منها من خلال تصريحات بعض القيادات التي لا تجيد فن التكتيك والمراوغة السياسية أمثال الأستاذ عبد الله حسن أحمد الذي أكد في أبريل الماضي أن هناك إمكانية لتوحيد الحركة الإسلامية مرة أخرى وأن النظرة الواقعية للحركة تقول ذلك، وشدد على أن الحوار بين الحكومة والقوى السياسية المعارضة أفضل من الدعوة إلى إسقاط الحكومة في حال توفر الحريات، ولم يستبعد نائب الأمين العام للحزب عبدالله حسن أحمد عقد لقاء مباشر بين المؤتمر الوطني والشعبي، مؤكداً عدم ممانعتهم من الجلوس مع الوطني دون وساطة باعتبار أنهم يعرفون بعضهم البعض جيداً. وقال إنه لا يوجد ما يمنع أن يطرح النائب الأول للرئيس علي عثمان طه والقيادي بالحزب د. علي الحاج مبادرة للحوار الوطني، وأكد أنهم لا يمانعون من قبول مبدأ التفاوض، وهذا أفضل من الدعوة إلى إسقاط الحكومة، مضيفاً: «الآن أصبح لدينا أمل أن نتفاوض مع الحكومة».
محاولة استعادة المواقع:
الناظر إلى ما يجري بين «الشعبي» و«الوطني» يدرك بشكل واضح أن ما حدث هو صراع سلطوي حول المواقع، وأنَّ الجولة الأولى من الصراع انتصر فيها معسكر القصر بما توفرت له آنذاك من أسلحة لحسم المعركة ونتيجة لذلك هيمن «إخوة» القصر على المواقع وتركوا «الآخرين» هائمين على وجوههم منهم من انتظر حتى هذه اللحظة ومنهم من لحق بركب «السلطة»، وما يجري الآن في هذه المرحلة من مراحل الصراع لا يعدو أن يكون محاولة من «الشعبيين» لاستعادة مواقعهم القديمة بطرائق شتى الأساس فيها هو التفاوض والحوار، لكن لا بد أولاً من «تخويف» الإخوة الغرماء والعزف على أوتار حساسة يعتقد «الشعبيون» أن من شأنها أن تثير أشجان ومخاوف «الإخوة الأعداء»، كما يرى قادة الشعبي أهمية التسلق على شجرة المعارضة كوسيلة أكثر شرعية لاستعادة المواقع المسلوبة في غمرة الصراع، وفي هذا يمكن أن يستغل المؤتمر الشعبي تحالف المعارضة كما فعل به قرنق تمامًا في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
لقاء العليين ببرلين:
وليس بعيدًا عمَّا سبقت الإشارة إليه اللقاء النادر الذي جمع بين النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والدكتور علي الحاج القيادي في حزب المؤتمر الشعبي في مارس الماضي ببرلين الألمانية، وقال وقتها علي الحاج إن علي عثمان قدم إلى برلين في زيارة لإجراء فحوص طبية لم يكشف عنها، مضيفًا، أنه سعى للقائه بعد تلقيه معلومات من السودان تؤكد زيارته إلى ألمانيا، وأوضح أن اللقاء تناول التطورات السياسية، مشيرًا إلى أن طه اعترف بخطورة المرحلة التي يعيشها النظام. وقال علي الحاج إنه دعا طه لبسط الحريات وإعادة السلطة لأهل السودان للحفاظ على ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب… إذن وتأسيسا على ما سبق هناك «تدابير» ولقاءات سرية وعلنية وترتيبات بين الطرفين تهدف إلى لمّ الشمل في منطقة وسطى تسمح بحدوث مصالحة شاملة تعيد بعض المتصارعين إلى مواقعهم وحينها يتوقع أن ينتهي الصراع بإنتفاء أسبابه «المصالح السياسية» وربما تصل الأمور إلى وحدة بين الشطرين في كيان واحد ليواجه خصومه «الحقيقيين» من حلفائه الحاليين من اليسار، وخصومه السياسيين التقليديين «الأمة والإتحادي والشيوعي» طالما أن تلك ما هي إلا تحالفات مرحليه تقتضيها ظروف سياسية.

أحمد يوسف التاي: صحيفة الإنتباهة

[/JUSTIFY]
Exit mobile version