[JUSTIFY]مقدمة و ملاحظة عابرة لهذا المقال أن كل الصحف التي نقلت حديث الدكتور الترابي أمام مؤتمر حزبه أفادت بأن الدكتور قال إن السودان وجنوب السودان ممكن أن يتوحدا مرة أخرى في ظل حكم ديمقراطي ، عدا صحيفة الانتباهة والتي أوردت أن الترابي قال إن السودان وجنوب السودان لايمكن أن يتوحدا مرة أخرى ، والحديث الذى جرى يتعدى الرسائل السياسية ليبحث في منهج الفكرة وتطورها و اتعاظها ان كان قد حدث ، وربما يحتوي على انتهازية سياسية موغلة في استغفال من يخاطبهم الرجل سواء كانوا من رهطه وأهله أو القوى السياسية المعارضة أو الحكومة . كذلك احتوى الجزء الاكبر من الخطاب على رسائل عابرة للحدود وعلى الارجح لن تجد الاهتمام الكافى بها في هذا الوقت بالذات، حيث ان الدوائر المهتمة بالسودان تركز على الاوضاع الداخلية و تأثيرات ما يحدث في الجوار على الداخل، و نحن لن ننسى اذا نسى الدكتور الترابي انه كان صاحب الكلمة العليا ، كان الآمر الناهي لمدة عشر سنوات منذ 1989م وحتى 1999م ، كان يطاع قبل ان يأمر ، وكانت لديه الفرصة والامكانيات لعمل ماينادي به اليوم من موقع ادنى ،ولكنه بدلا من ذلك كان و دون هوادة يشن حربا جهادية في الجنوب وكانت الحريات و حقوق الانسان في أسوأ احوالها، و امتلأت السجون و المعتقلات في العاصمة و الاقاليم بالمعتقلين، و انني ان نسيت لن انسى ذلك المجند الشيخ الذي ارسلوه لي ليدخلني الاسلام و ليردني لجادة الصواب بعد ان تكون قد انهكتني قسوة الحبس وما يصاحبها … ، ومتى كان الاصل هو الحرية يا شيخنا ؟ ففي تلك السنوات التي مثلت اقسى فترات حكم الانقاذ، اعتقالات و مصادرات لممتلكات الاحزاب ، في تلك الايام كان من يقومون بالانقلابات يعدمون في نهار رمضان ( في ايامنا هذه يحاكم الانقلابيون بأحكام خفيفة ويتم العفو عنهم ) و قد حدث هذا فلماذا لم يكن الاصل هو الحرية قبل بضع سنوات ؟ افكار جديدة مثيرة للجدل والاختلاف احتوى عليها خطاب الدكتور الترابي أمام شورى حزبه، فهو يقول إن التغيير اما سيكون (بالاحسان ) او بالانتفاضة، وان المحاسبة ستطال الذين أعتدوا على المال العام ، متجاهلا وضع حقوق الانسان والظلامات التي حدثت في هذه الفترة التي كان هو من يحكمنا، مشيرا لمنحهم العفو الا ” من بغى على المال العام ” ،و ليس لدينا علم بأن احدا من قوى الاجماع الوطني فوضه لتقديم مثل هذا العرض السخي ، وهو يقول إنهم جماعة ثقافية وفكرية في محاولة غير ذات جدوى بالرجوع للاصل ولفكرة الجماعة، وهو يقول بعالمية الفكرة وعبورها للحدود في أول أقتراب ملموس ومعلن من التنظيم الدولي للاخوان المسلمين وربما كانت الرسالة تأخرت كثيرا بسبب ما آلت إليه أحوال الجماعة في مصر وأنقلاب الامور عليها بعد أن أضاعت أكبر فرصة لتسنم حركة اخوانية لمقاليد حكم أكبر دولة عربية بحجم وموقع ودور مصر ، ويقول الدكتور الترابي بعدم تسجيل الاحزاب وتصديق الصحف أصلا ،ناسيا أن كل القوانين المقيدة للحريات بما فيها قوانين التوالي السياسي وقانون الصحافة قد تمت اجازتها والعمل بها والدكتور الترابي رئيسا للبرلمان وفعليا كان هو من يدير خيوط حركة النظام وفي كل الاتجاهات، وهو يقول ان المؤتمر الشعبى عبارة عن جماعة ثفافية تنتج فكرا متجددا في كل العالم وشركة في الاقتصاد والمعاش وحزب سياسي، وقال نحن دفعة عالمية مواطنون من أهل السودان ” ويزيد “علاقتنا عالمية ولاتعرف فصلا بين السودان والجنوب وتشاد وافريقيا الوسطى. بربكم هل ينطلي هذا على احد ؟ وهل تنتج الجماعة الثقافية انقلابات ؟ وماذا يعنينا نحن اهل السودان في هذا التوجه العابر للحدود؟. الترابي حاول ان يقدم صورة بريئة و زاهية لنفسه و ايهام الجميع انه اتعظ و استخلص دروس الماضي من تجربته ، ذلك بأن يحذر من الانقلاب العسكري ، وان كان هذا صحيحا فليس للترابي الا ان يتقدم بإدانة واضحة و صريحة لا تقبل التأويل لانقلاب 30 يونيو 1989 م ، وعليه ان يكشف عن التجاوزات التى تمت امام ناظريه او بتوجيهاته او التي سكت عليها ، و لكنه لن يفعل فمن شب على شئ شاب عليه. المحزن هو حال احزاب الاجماع الوطني فهي قد انخدعت ( لسحره ) ونسيت جبروته و طغيانه و سخريته منها عندما كان مالكا للسلطان و مهيمنا على ثروة السودان. ان ما يحدث في السودان قد اسس له الترابي في السنين العشر الاوائل من حكم الانقاذ ، و هو يتحمل كل اوزار الانقاذ و خطاياها ، و عليه ان يكف عن انتقادها فهو من بناها ومكن لها و قنن و شرع لها القوانين التى ظلت سارية حتى يومنا هذا. رسائل الترابي التي ارسلها من منصة حزبه واضحة كالشمس ، انه يريد السلطة و يتصرف على هذا الاساس،و على الاخرين من قوى الاجماع الوطني ان يتصرفوا على هذا الاساس.