والتحول الديمقراطي قد يكون سلساً، دون إراقة دماء أو مخاشنات تؤدي إلى عكس صورة قميئة بين مستبدٍ مستأسد يود الركوب على رءوس الناس بإرادة مفردة، وشعب يتوق نحو حرية تتيح له اختيار من هو مناسب لقيادة سفينته وتدبير شأنه، والتعامل مع قضاياه وفقاً للأمل المعقود ، والثقة في منح التفويض والتخويل.
وقد تكون على مقربة من المبالغة والمثالية، إن لازمنا الاعتقاد بأن التحول من حكم عسكري قابض إلى نظام ديمقراطي حر، لا يكلف ثمناً، ولا يؤدي إلى تضحيات.
ولقد نجحت ثورة أكتوبر الشعبية، عندما قدَّم الشعب شهداء، وفار تنور الرغبة الجماهيرية، مجبراً الفريق إبراهيم عبود على حل مجلسه العسكري طواعية، ويسلم الأمر إلى حكومة مدنية، وحينها عاد العسكر إلى ثكناتهم نافضين أياديهم من السياسة وألاعيبها وما يحيط بها من خطأ وخطل تصاحبهما برك من دماء وظلم، كانوا هم السبب الأوحد في حدوثه بركوب الصعب، وحمل الشعب قهراً للسير في اتجاهات الكبت والتسلط والاستكبار.
والتحول الديمقراطي ـ في زماننا هذا ـ أصبح أمراً لازماً ـ أوجبته تطورات العصر أولاً، وفرضته درجات الوعي الصاعد ثانياً، ولم يعد هناك مجالٌ لجماعات عسكرية، تتخذ من صهوة دبابة وسيلة إلى الولوج قسراً لمجلس وزراء أو سدة رئاسة، وسيثبت التاريخ للزمن القريب الآتي، بأن تنصيب الرؤساء بفعل قوة جيش لجب أو أمنٍ مركزي ـ عالي السطوة والقوة والجبروت، سيكون تنصيباً لملك على عرشٍ لا يستحقه ـ ذلك لأن الملك الذي يدخل قصراً ليس بقصره لا يشبه إلا ذلك الفرعون الذي خدعته نفسيته المريضة، وزعم بأنه يرتدي أفخم الثياب وأزهاها، وكان الطفل هو الذي أفصح بحقيقة لم يجرؤ عليها كبار القوم بأن قال انظروا إلى ذلك الملك العريان.
ولا طريق للتحول الديمقراطي، إلا بطريقين:
ـ إما طريق العنف والدم، والمصادمات وفوهات البنادق.
ـ أو طريق التفاهم والسلاسة والمشاركة، واحترام عقول النَّاس وعدم تسفيه ما يراه الآخرون من آراء. د. ربـيع عبـدالـعـاطـى-الانتباهة