تفاصيل ما لم يُنشر من القضايا الخلافية بين السودان وجنوب السودان

[JUSTIFY]إذا كانت دعوات العاشق يطلقها طالباً من الآخر أن يوقف عقارب ساعته ويذبح الوقت، رغبة منه في أن يعيش عُمره مرة واحدة ويستلذ فيها بالتلاقي، فإن ذلك يجعل من الوقت والعمر متلازمين لا يفصلهما إلا الموت أو قيام الساعة.. لعل من قال تلك العبارات يدرك أن مؤشرات الساعة لن تعود إلى الوراء.
نصف شهر أو (15) يوماً هي التي تبقت من عُمر المهلة الممنوحة من الحكومة السودانية لحكومة دولة جنوب السودان، لتحدد هذه الأيام القادمة شكل العلاقة بين الدولتين. وهو عُمر لو قيس بالروابط والمصالح لن يسوى أن يذكره أحد، ولكنه الواقع الذي تشوبه الاتهامات وحديث الأدلة والبراهين والوثائق الدامغة، حسب الحكومة السودانية، وإنكار مطلق من قادة دولة جنوب السودان في قضايا الدعم والإيواء للحركات المسلحة والمتمردة.
{ تبادل زيارات
(اللواء يوليوس)، و(العميد جان كينيت)، و(العقيد لويس).. ثلاثتهم خبراء عسكريون يتبعون للاتحاد الأفريقي، استعان بهم مع عدد آخر من الضباط الأفارقة لتسلّم الشكاوى من السودان وجنوب السودان حول قضايا دعم وإيواء الحركات المسلحة والمتمردة للبلدين، التي تقدم لمفوضية الاتحاد الأفريقي (اليوم الاثنين) بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، لينتظر نبض العلاقة بين السودانين حلول السابع من أغسطس، الذي يبدو قريباً والمواقف متباعدة للحد البعيد، وكلٌ يقف على ضفة تبعد عن الأخرى مسافات يصعب النظر فيها إلى وسطيات.. قضايا الخلاف بين السودان وجنوب السودان مُرحّلة وأصبحت تنقسم إلى شقين بعد انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو للعام 2011م.
عامان مضيا من عمر المولود الذي حمل معه اسماً ملحقاً وأصبح ملازماً دائماً له فيما عاشه من أيام (قضايا ما بعد الانفصال)، وفيها تدخل الديون والنفط والتجارة والخلافات الحدودية، بالإضافة إلى القضايا المرحّلة من اتفاقية السلام الشامل، وهذه أساس الخلاف، إذ تنظر الحكومة السودانية إلى قضية دعم وإيواء الحركات المسلحة والمتمردة ومنحها تسهيلات من خلال تقديم الأوراق الثبوتية والمستندات والدعم السياسي من قبل دولة الجنوب، على أنها تمثل أهم العقبات التي تواجه علاقة البلدين. أما حكومة دولة جنوب السودان فظل الإنكار بمختلف أشكاله هو موقفها.. وما بين هذا الموقف وذاك جرت الكثير من المحاولات للإصلاح بين الدولتين، حيث تحركت المياه الراكدة بزيارتين قام بهما مدير جهاز الاستخبارات التابع للقوات المسلحة السودانية السابق الفريق أول “محجوب عبد الله شرفي”، وبرفقته نائب مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق “صلاح الطيب الأمين”، وتلتهما أيضاً زيارة وزير الخارجية السوداني “علي أحمد كرتي” برفقته مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول “محمد عطا المولى”، حيث التقيا برئيس دولة جنوب السودان “سلفا كير ميارديت” وأبلغاه رسالة من الرئيس “البشير”.
وفي اتجاه آخر، وعلى مستويات أعلى، عقدت عدة لقاءات بين الرئيسين “البشير” و”سلفا كير” في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وكان فيها زيارة الرئيس “البشير” إلى جوبا، إلى أن التقى مؤخراً الرئيسان في قمة الاتحاد الأفريقي.. وحسب المعلومات المتوفرة، فإن الرئيس “البشير” خلال ذلك اللقاء أعطى إنذاراً لحكومة الجنوب بأن الدعم والإيواء إذا استمر فإن السودان سيقوم بإيقاف مرور النفط، وكان الإنذار مقروناً بمهلة زمنية قوامها أسبوعين.
{ مر الزمان
مر الأسبوعان والجنوب ما زال متمترساً في موقفه الرافض للاعتراف بوجود علاقة بينه وحركات دارفور، أو حتى قطاع الشمال، والخرطوم تقول إنها تمتلك الأدلة وتقدمها للجهات المسؤولة وتدفع بالشكاوى.
رئيس هيئة العمليات برئاسة الأركان المشتركة للقوات المسلحة السودانية الفريق ركن “عماد الدين مصطفى عدوي” كشف لـ(المجهر) عن رصدهم دعماً وامتلاكهم أدلة قوية بأن الدعم والإيواء من قبل الجنوب للحركات المسلحة والمتمردة في ازدياد بوتيرة متسارعة، وتنخرط فيه قيادات أمنية وعسكرية على مستوى عالٍ. وقال “عدوي” إن السودان لديه قناعات راسخة بدعم الجنوب للمتمردين. ولم يتوقف الفريق “عماد الدين” عند ذلك، وإنما ذهب إلى استخلاص نتيجة ما يقوم به الجنوب من فعل، حيث قال إن ذلك الدعم من شأنه أن يعقّد العلاقة ويمنع التواصل في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وذهب إلى تأكيد التزام حكومة السودان بتنفيذ تلك الاتفاقيات حزمة واحدة ومنسقة، مع قبول مقترحات الرئيس “أمبيكي”.
رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي “ثامبو أمبيكي” دفع إبان تصاعد الخلاف بين الخرطوم وجوبا وقرار الأولى بإعطاء مهلة قوامها (60) يوماً للأخيرة، دفع بمقترحات لمعالجة المشكلات وإزالة التحفظات التي أبدتها الخرطوم، وحوت مقترحاته التي قبلتها الخرطوم تشكيل لجنة من مفوضية الاتحاد الأفريقي ورئيس (الإيقاد) رئيس وزراء أثيوبيا للنظر والتحقق في الشكاوى والاتهامات فيما يخص إيواء ودعم الحركات المسلحة والمتمردة، وطلب “أمبيكي” من كلا الدولتين أن تجهزا ملفاتهما. ويقول الفريق “عماد الدين عدوي” إنهم في الجانب السوداني تسلموا أمس (الأحد) خطاباً من الرئيس “أمبيكي” يطلب من الدولتين أن تتقدما بالشكاوى وتسليم ملفاتهما لمفوضية الاتحاد الأفريقي قبل يوم 22 يوليو. وقال الفريق “عدوي” إن حكومة السودان ملتزمة بذلك، وتأمل أن تتحقق اللجنة الأفريقية من صحة تلك الشكاوى وفحص البراهين والأدلة، وأضاف: (لدينا أدلة قوية وراسخة ودامغة ستسلّم للجنة في الوقت المحدد لذلك).
ورفض الفريق “عماد الدين عدوي” في حديثه لـ(المجهر) أمس (الأحد) الحديث عن تفاصيل المستندات والشكاوى التي ستقوم الحكومة بتسليمها اليوم إلى لجنة الخبراء الأفارقة، وأضاف: (لن نتحدث عن الوثائق واللجنة هي التي ستتحدث، ولكننا واثقون من استمرار الدعم من الجنوب للمتمردين)، وقال إن تسليم الوثائق لا يتطلب عقد اجتماع، وإنما ستسلّم عبر السفارة في أثيوبيا لمفوضية الاتحاد الأفريقي، وأكد جاهزية الحكومة السودانية للدخول في اجتماعات متى ما قدمت الدعوة لذلك، وزاد بالقول: (لكن حالياً لم نتسلّم دعوة لاجتماع).
{ خروقات ومماطلة
بُعيد إعلان السودان موقفه الأخير القاضي بوقف ضخ نفط الجنوب حال لم تلتزم حكومته بوقف الدعم للحركات المسلحة والمتمردة، تحركت العديد من الجهات للتوسط، بينما هددت وأنذرت جهات أخرى الطرفين بمخاطر التصعيد الذي يمضيان نحوه، وكانت تحركات الوساطة الأفريقية ممثلة في الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة “ثامبو أمبيكي” في مقدمة الوسطاء، حيث دفعت بمقترحات متعددة في التاسع من يونيو الماضي تقوم على تشكيل لجنة فنية من برنامج الحدود الأفريقي، وقال الفريق “عدوي” إنه بالفعل تم تعيين الفريق الفني وزار السودان وجوبا، وأضاف: (نحن ننتظر الخطوة التالية في هذا الأمر، خاصة وأن المرجعية في عمل هذه اللجنة الفنية هي الخريطة التي تقدمت بها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى)، وقال إن الوساطة أرفقت الخريطة والإحداثيات في الأسبوع الماضي ما جعل لدى كل طرف المرجعية اللازمة التي يمكن أن تُعلم كل دولة ما هي الأراضي التي تتبع لها وما هي الأراضي التي تتبع للدولة الأخرى. وأضاف بالقول: (أصبح الأمر في تقديرنا غير قابل للجدل).
أما مقترح “أمبيكي” الأخير، فيقوم على مطالبة الدولتين بإيقاف الإعلام السالب وتشكيل لجنة من الاتحاد الأفريقي للنظر في ذلك. ويقول رئيس اللجنة الفنية التابعة للجنة السياسية المشتركة من جانب السودان الفريق “عماد الدين مصطفى عدوي” إن تقدير الحكومة السودانية يقوم على أن مقترحات “أمبيكي” الثلاثة ما لم تصل لنتيجة قبل يوم السابع من أغسطس المقبل فإن السودان لا يمكنه أن يقول إن هناك جديداً في علاقة البلدين، وقال إن المهلة الزمنية المحددة بستين يوماً لوقف النفط ستحل في ذلك الموعد، لكن الفريق “عدوي” عاد وأكد جاهزية السودان للتعامل والتعاطي مع تلك الآليات لمعالجة القضايا، لضمان الوصول إلى حدود آمنة مرنة لعملية التواصل الإداري وحركة المواطنين والسلع، وتطبيق الاتفاقات المشتركة كافة بين الدولتين حفاظاً على المصالح المشتركة.
{ دليل أممي
من التحركات أيضاً التي أتت في سياق البحث عن معالجات، جاءت زيارة نائب رئيس دولة جنوب السودان د. “رياك مشار” إلى الخرطوم في الأسبوع الماضي. ويقول الفريق “عدوي” إن تلك الزيارة أكدت مخرجاتها ضرورة أن تنظر الآليات كل على حسب اختصاصها في القضايا، وأضاف: (لكن حتى الآن لم يتم تفعيل أية آلية أخرى)، ويذهب الفريق “عدوي” إلى أن دولة جنوب السودان كانت رؤيتها لمعالجة المشكلة مختلفة، حيث إنها سعت لانتقائية بعض الاتفاقات، وعلى وجه الخصوص تنفيذ اتفاقية النفط، وقال إنها كانت تتجاهل الالتزام وتنفيذ كل المطلوبات في الاتفاقات الأخرى، وأضاف: (هذا الموقف جعل من الترتيبات الأمنية شبه معلقة، ورصدت حكومة السودان عدداً من الخروقات لهذه الاتفاقات، تمثلت في عدم انسحاب قوات الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان من عدة مناطق داخل الأراضي السودانية)، وقال إن الخريطة التي تقدمت بها الآلية الأفريقية هي التي توضح الحدود المؤقتة بين البلدين، التي ترتكز عليها الترتيبات الأمنية، وأضاف “عدوي” بالقول: (حسب هذه الخريطة، ما زالت قوات الجيش الشعبي موجودة في أكثر من موضع داخل الأراضي السودانية، وظلت الحكومة السودانية تطالب دولة الجنوب بالانسحاب)، وقال إن من بين خروقات دولة الجنوب للاتفاق عدم قيامها بإعادة نشر قواتها خارج نطاق المنطقة الآمنة منزوعة السلاح، رغم الجهود المبذولة من قبل الآلية، خاصة في مراقبة الحدود والتحري عنها. وذهب إلى أن دولة الجنوب ما زالت تكابر وتنكر ذلك، وأضاف: (رغم أن لدينا الوثائق التي أهمها وثيقة من قائد قوات اليونيسفا، عندما أرسل بعثة لتنفيذ مهمة ترسيم خط الأساس للمنطقة الآمنة منزوعة السلاح وفتح معبر على الحدود بين البلدين في منطقة (هجليج – بانتيو) بحسبان أنه أحد المعابر التي تخدم النفط، وأن هناك اتفاقاً على ترسيم المعابر ووضع الترتيبات المعنية بذلك)، وقال إن بعثة (اليونيسفا) قامت بأكثر من مهمة، وإنها في المهمتين رصدت وجوداً لقوات من دولة جنوب السودان شمال (خط الصفر)، كما أن قوات دولة الجنوب الموجودة في الأراضي السودانية- حسب الفريق “عدوي”- قامت باعتراض بعثة (اليونيسفا) ورفضت أن تكمل عملها، وأضاف “عدوي” بالقول: (هنالك وثيقة رسمية تثبت ذلك، وتقرير موقع عليه من قائد قوات المراقبة الأثيوبي وقائد المراقبة السوداني وقائد المراقبة الجنوب سوداني، وأرفق هذا التقرير إلى دولة جنوب السودان بخطاب من قائد المراقبة الأثيوبي، وأوضح لها أنه رصد قوات داخل أراضي السودان وأنه يطلب منها إخراج تلك القوات)، وقال “عدوي” إن ذلك يعدّ دليلاً دائماً على أن دولة جنوب السودان غير ملتزمة بالتنفيذ، بجانب تأكيده امتلاكهم العديد من الأدلة في مناطق أخرى متفرقة.
{ آليات ومعابر
ويذهب الفريق “عماد الدين عدوي” في تفصيل عمل العديد من الآليات المنصوص عليها في الاتفاق الأمني الموقع بين الدولتين في سبتمبر من العام الماضي، بجانب الآليات الأخرى المتفق عليها بينهما، ويكشف عن وجود آلية تعمل شمال وجنوب (خط الصفر) في مساحة (40) كيلومتراً شمال وجنوب الخط، وأضاف: (هذه معنية بوقف الدعم والإيواء وأية شكاوى من قبل الطرفين، ونحن سعينا وسعى معنا قائد اليونيسفا لدعوة هذه الآلية لاجتماع، إلا أن دولة الجنوب رفضت ذلك وحتى الآن لم تجتمع). وقال إن الآلية الثانية تتمثل في الآلية الأمنية المشتركة التي يرأسها رؤساء الاستخبارات في البلدين، بالإضافة إلى نوابهما وبعض الأعضاء الآخرين، وقال إن هذه الآلية اجتمعت مرة واحدة في الخرطوم بدعوة من الجانب السوداني، وإنها يفترض أن تجتمع مرة كل (15) يوماً. واستدرك بالقول: (لكن حكومة الجنوب لم تقدم لنا حتى الآن دعوة لاستكمال هذه الآليات، وكان الاتفاق في الاجتماع الأول أن تشكل لجنة فرعية فنية تقوم بزيارة ميدانية للتحقق من بعض الشكاوى خلال (72) ساعة من الاجتماع، لكن أيضاً دولة الجنوب رفضت ذلك).
وقال الفريق “عماد عدوي” إن قضية المعابر العشرة أيضاً رفضت حكومة الجنوب تشكيل اللجان التي تساعد في ترسيمها، وأضاف: (بالتالي كل ذلك يصب في أن الترتيبات الأمنية الآن متوقفة ولا يوجد أي تنفيذ، وهنالك أيضاً نص في الاتفاق ينص على إيقاف الدعم أو الإيواء، ورصدنا العديد من الممارسات في هذا المجال من قبل دولة جنوب السودان، وتقدمنا بشكاوى للآليات، إلا أنها لم تتمكن من العمل نسبة لعدم تعاون دولة الجنوب معها، وفي كل مرة نواجه دولة الجنوب بتلك الشكاوى والأدلة، وهي تنفي).

تقرير – أحمد دقش
صحيفة المجهر السياسي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version