بغض النظر عن الطريقة المبتكرة التى عبّر بها الصحفي العراقي منتظر الزيدي عن غضبة وإستياءه تجاه ما قام به جورج بوش فى العراق بعد إسقاط صدام حسين عام 2003 م ، وبغض النظر عن الطريقة القردية السريعة التى تفادى بها الرئيس الأمريكي الجزمة أوقبلة الوداع التى صوبها الزيدي صوب رأس بوش وأخطأت هدفها بملميتر ٍ واحد والتى إن دلت إنما تدل على التدريب الممتاز الذى تلقاه بوش فى كيفية التصرف لتفادى أو تقليل الضرر حين التعرض لإطلاق الرصاص أو محاولات الإغتيال فما بالك ( بصرماية ) من الطراز البغدادي ، وأكاد أجزم ( جزمة ً ) وليس جزماً بأن هذا الحذاء الصاروخي إن كان إتجاهه صوب المالكي لأصابه إصابة مباشرة فى مقتل حتى دون أن يدري من أين أتى وينسحب ذلك على كل الحكام والأمراء والرؤساء والملوك والسلاطين وأصحاب السمو والرفعة .
بغض النظر عن كل ذلك إستوقفني الحذاء الثاني بعد فشل الأول فى بلوغ مرماه ، وبالرغم من محاولة بعض زملاء منتظر وأفراد الأمن المتخفين وسط الصحافيين لمنعه أو إعاقته من إرسال قذيفته الثانية إلا أنه تمكن من ذلك وكانت المفارقة أن رئيس الوزراء المالكي الذى وقــّــع على إعدام صدام لأنه قتل ما قتل من العراقيين خلال فترة حكمه أوبالأحرى تحكمه فى العراق بعد أن رفض الرئيس الطالباني التوقيع على حكم التنفيذ نشاهد المالكي يرفع نفس اليد فى مفارقة تاريخية غريبة جداً لحماية وجه بوش أو رأسه أو أنفه من تلك الجزمة الزيدية بالرغم من تسبب الرئيس الأمريكي فى مقتل وإعاقة وتهجير وتشريد وهدم وهلاك وإفلاس وسرقة كل متر مربع من مستقبل بلد عظيم كالعراق فى مدة لا تتجاوز الخمس سنوات !!
فالمالكي الذى كان مسروراً لحد الجذل عند التوقيع لإعدام صدام رأيناه فى يوم الحذاء العراقي ممتعضاً ومذهولاً بل مشلولاً لدرجة الإختناق من هذه الفعلة الشنيعة فى إعتقاده ، إلا أنه تظاهر بالتماسك والثبات ، ولِـمَ لا ؟!
أليس العراق بلداً ديمقراطياً ؟
بل أنموذجاً ممتازاً للديمقراطية كما يزعم بوش ؟
ولكن المالكي شعر بالإرتياح بعد أن رد بوش مستغلاً الفرصة التى إعتقد أنها كبيرة لتسويق نفسه ( البايره ) بأن هذا الشخص يبحث عن الشهرة وأضاف أن مثل هذه الأشياء لا تحدث إلا فى الدول أو المجتمعات الديمقراطية بالطبع تلك التى أتى بها إلى العراق ومن ثم إلتقطت الأجهزة الإعلامية الحكومية ومنها قناة العراقية هذا القول وبدأت فى تعميمه وأضافت عليه بأن الزيدي قد إختفى لمدة إسبوع مدعياً أنه قد أختـُـطف بعد ظهوره بطريقة ٍ مريبة ومثيرة للكثير من التساؤلات ولا يدري أحد حتى الآن حقيقة ماجرى وهاهو الآن على حد زعم قناة العراقية يعيد الكرّة ليشتهر على حساب كرامة العراق وأثناء ضيافته لرئيس أكبر دولة وأقواها على وجه الأرض ، بينما أقامت قناة البغدادية التى يعمل بها الزيدي والتى تبث برامجها من القاهرة أقامت ( صيواناً ) لإثارة العواطف فى كل أرجاء الوطن العربي وفتحت خطوط هواتفها لتلقي المكالمات ذات العائد المادي الضخم ولجمع التوقيعات برسائل ( الإس إم إس ) لدعم موقفها المتمثل فى عملية الزيدي وساندتها فى ذلك قناة الحياة المصرية وكانت النتيجة أن تطوع مائة محام ٍ عاطل للدفاع عن منتظر تماماً كما فعل أولئك المحامون مع صدام حسين ولم يحركوا شيئاً حتى لقي حتفه شنقاً فى يوم العيد .
عواطف الشعوب التى أستـُهلكت على مدى عقود فى كل صغيرة وكبيرة حتى أصبحت تلك العواطف غلالة رقيقة وشفافة لا تستطيع أن تقف فى وجه القضايا الكبيرة والحقيقية والهامة لمدة ثلاث ليال أو سبعة إذا حُقنت بأمصال ( الهتيفة ) والمصفقين والراقصين والمطبلين والسلالميين ، لذا نرى الفشل مصير كل التظاهرات التى تقوم ضد الحكومات أو الأنظمة العربية لأنها تخاطب العواطف أولاً وأخيراً بدل أن تخاطب العقول وتنيرها أو على الأقل يكون هناك توازن بين العقل والعاطفة حين التصدي للخلل أو السقوط كما يحدث فى بقية العالم ، فحين تخرج الشعوب فى أنحاء عديدة من العالم للتظاهر نراها معدة إعداداً جيداً ومخطط ٌ لها مع الأخذ فى الإعتبار المدة التى يمكن أن يقضيها المتظاهرون وكيفية إيصال الدعم المعنوي والغذائى والمائى لهم بعيداً عن أي أهداف أو أغراض أخرى حتى تحقق التظاهرة أو العصيان المدني للهدف المنشود لذا ينجحون فى مسعاهم عندما يسيطرون على مطار ٍ أو مصنع ٍ أو سوق ٍ أوحتى وهم يفترشون الساحات العامة والطرقات بينما تفشل كل التظاهرات بنسب مختلفة فى المنطقة العربية قاطبة
عبدالماجد موسى
seysaban@yahoo.co.uk