{ ووصفت الخارجية السودانية التصريح بأنه أسوأ نماذج ازدواج المعايير وعدم الاتساق الأخلاقي والسياسي. وقالت إن بريطانيا شاركت في غزو العراق عام (2003) بعد أن ضللت الرأي العام المحلي والعالمي بمبررات كاذبة، وأدى الغزو إلى مقتل قرابة المليون شخص، ما يعدها – بريطانيا – فاقدة للسند الأخلاقي للحديث باسم ضحايا العنف في دارفور.
واتهمت الخارجية بريطانيا بأنها تستضيف قيادات حركات التمرد الدارفورية المسؤولة عن استمرار العنف واغتيال الموقعين على اتفاقية الدوحة.
{ بريطانيا والجنائية
الموقف البريطاني الأخير جاء مفاجئاً للحكومة السودانية، بالإضافة إلى أنه كان متشدداً، واتسق مع مواقف بريطانية سابقة متعلقة بذات المطلب، حيال ادعاءات ما تسمى محكمة الجنايات الدولية التي تطالب بإلقاء القبض على الرئيس “البشير”..
{ بريطانيا في موقفها الأخير قالت على لسان الوزير بوزارة الخارجية البريطانية لشؤون أفريقيا “مارك سايموندز” إن استقبال نيجيريا للرئيس “البشير” يرسل رسالة مخيبة للآمال، وأنها انطلاقاً من التزاماتها بنظام عمل المحكمة الجنائية الدولية تهيب بالدول الأعضاء الأخرى أن لا تحذو حذو نيجيريا.
{ وفي موقف سابق كانت بريطانيا قد استدعت المندوب السامى الكيني في لندن بشأن زيارة “البشير” إلى نيروبى خلال إعلان الدستور الجديد للبلاد .وذكر بيان صادر عن المفوضية العليا البريطانية في نيروبي وقتها أن المسؤولين في وزارة الخارجية والكومنولث نقلوا خيبة أمل لندن بسبب سفر الرئيس البشير إلى نيروبى متحدياً بذلك المحكمة الجنائية الدولية.
{ وكان “ألان غولتي” السفير البريطاني السابق في السودان وأحد كبار الخبراء البريطانيين في شؤون السودان، قد قال في مقابلة صحفية عن قرار (الجنائية) في بداية الأمر، إنه كان مجرد عرض لـ “البشير” ليختار المثول أمام المحكمة، لإثبات براءته. وأضاف: يجب أن نتذكر أن لائحة الاتهام كانت، بالفعل، مجرد لائحة اتهام. وزاد: (في بلدي بريطانيا، نحن نؤمن بأن الشخص بريء حتى تثبت إدانته). واعترف بقوله: الخطأ الذي صدر من جانب الغرب كان قطع الاتصال مع “البشير”، وهنا بدا وكأنه مجرم وليس متهماً، خاصة عندما كان الغرب يريد التأثير عليه. وأضاف: أعتقد أنه لم يكن ضرورياً من جانب الغرب قطع الاتصالات مع البشير.
{ تشدد واستفهام
وعن التشدد البريطاني اللاحق والحالي حيال مذكرة ما تسمى المحكمة الجنائية الصادرة بحق الرئيس “البشير”، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. “حمد عمر حاوي”: (إن بريطانيا بحكم أنها كانت المستعمر السابق للسودان، تعتبر أن لديها مسؤولية، وهي الأدرى بالمناطق التي استعمرتها، وسبب آخر هو أن الدولة العظمي السابقة تبحث عن دور لها، وتعتبر السودان الميدان الأقرب لتفعل ذلك، لأن لا حليف لديه). ولكن دكتور “حاوي” يعود ويشير إلى سبب آخر مباشر شكل كرت ضغط على الحكومة البريطانية، وهو الدور الذي تقوم به الجالية السودانية المقدرة في بريطانيا التي مارس بعضها ضغوطاً كبيرة، متخذة أشكالاً شتى من اعتصامات وتظاهرات مناوئة للحكومة السودانية.
{ ويصف المحلل السياسي الدكتور “عبده مختار” الموقف البريطاني بـ (الغريب جدا)، ويقول: من الغريب جداً أن تتولى بريطانيا ملف (الجنائية) عن الدول الغربية. إلا أنه يرجع السبب في ذلك إلى كونها صارت حليفاً للولايات المتحدة، وباتت الدولة الأقرب إليها من أية دولة أخرى في العالم. ويضيف: منذ فترة طويلة أصبحت بريطانيا الحليف الإستراتيجي لأمريكا وهي (مربوطة) بتيار المحافظين الجدد، وهذا التيار مثلما بات مؤثراً في أمريكا أضحى مؤثراً كذلك في بريطانيا. وحول هذه القضية بشكل عام يقول الدكتور “مختار”: إن الغرب يكيل بمكيالين في مسألة المحكمة الجنائية الدولية، فهنالك زعماء كثر في العالم لم تتم محاكمتهم، كما أن الضحايا الذين سقطوا في دارفور نتيجة لإفرازات الحرب. ويشير “مختار” بأصابع الإتهام إلى أمريكا نفسها حيث يعتبرها متورطة في جرائم حرب واغتيالات والشواهد علي ذلك كثيرة منذ اغتيال (السي اي اي) للرئيس “سلفادور اللندي”، وغزوالعراق وقتل “صدام حسين” عبر محاكمته بأكذوبة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل. ويضيف: أمريكا تورطت في أفغانستان، وأشرف الرئيس “أوباما” بنفسه على اغتيال “أسامة بن لادن”، بالإضافة لعدد من عمليات الاغتيال الأخرى السابقة التي جرت بالفعل.
{ وأخيراً يقول “مختار”: لقد وقف الاتحاد الأفريقي بقوة داعماً عدم مثول الرئيس “البشير” إلى المحكمة الجنائية.. ومطالبة بريطانياً لنيجيريا سببه اعتبار الأخيرة واحدة من دول (الكمنويلث)، حيث تمثل خصوصية لبريطانيا.
{ الدور التاريخي :
وفي سياق محاولات فهم الدور البريطاني في ما يختص بأمر ما تسمى المحكمة الجنائية، قال المفكر السوداني “محمد أبو القاسم حاج حمد” في إحدى مقالاته الصحفية عن اتفاقية (مشاكوس): إن المطرقة الأميركية تحتاج إلى (سندان) يكمل دورها!! على أن يكون هذا السندان مختلفاً في وظيفته وطبيعته عما تؤديه المطرقة، فمن شأن السندان (تجليس) المادة التي ينهال عليها الطرق، والتجليس فن من فنون التقعيد يلزمه فنان. وهذا (التجليس) – والحديث مازال لـ “حاج حمد ” – هو مهمة بريطانيا، لأنها تجيد هذه المهمة بحكم علاقتها الوثيقة مع السودان على مدى قرن كامل من الزمان، بدأت ظاهرياً حين مشاركتها مصر في احتلال السودان العام (1868)، وجلائهما معاً منه في العام (1956)، ولكنهما باقيتان فيه بأشكال أخرى إلى اليوم. ويضيف: بريطانيا هذه – كسودانيين – نعرفها تماماً، وهي تعرفنا تماماً، فإذا كانت (الحلول) بيد أميركا فإن (الملفات) بيد بريطانيا.
{ ويرى مراقبون أن مجموعات ضغط بريطانية تعمل على الدفع وتحريض المسؤولين هناك لتبني مواقف متشددة في قضايا مثل قضية (الجنائية) التي صدقتها المجتمعات الغربية بعد أن نقل الإعلام الغربي صورته عن الصراع في دارفور وقدم الحكومة السودانية كمتهم رئيس في قتل مواطنيها في دارفور. كما أخذ هذا الإعلام يردد أن الحكومة السودانية تحرق القرى الآمنة، وبالتالي رسخت هذه الصورة وتعمقت لدى المجتمعات هناك ،وبات طبيعياً أن تعمل جماعات ضغط مختلفة من حين لآخر وبينها منظمات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني وأعضاء بارزون في الحكومة البريطانية على الدفع بقضية الجنائية إلى أقصي ما تستطيع. وتمثل زيارات رئيس الجمهورية إلى الخارج واحدة من المناسبات التي تنشط فيها اجماعات مطالبة بتوقيفه.
صحيفة المجهر السياسي
[/JUSTIFY] صلاح حمد مضوي