[JUSTIFY]
إذا كان حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي خيَّر الحكومة بين الذهاب بالحسنى أو مواجهة الثورة الشعبية، فإن هذه الحكومة هي الآن في وضع لا يضطرها للالتفات إلى تخيير الترابي، لكن إذا نجح هو في تحريك الشارع كما فعلت جبهة الهيئات عام «1964م» أو النقابات عام «1985م»، يمكن بعد ذلك أن يكون لتخييره قيمة سياسية. لكن الآن الأوضاع السياسية داخل ولاية الخرطوم مستقرة جداً ولا بأس بها، لذلك ليس هناك ما يدعو لمثل هذا التخيير الذي أطلقه الترابي. وهو بهذا التخيير يذكِّر بطرفة تقول بأن شخصاً غير سوي اشترى جالون بنزين وعلاّقة مفتاح، وقال الحمد لله لقد بقيت السيارة فقط. وها هو الترابي في مناخ استقرار سياسي جيد جداً يخيِّر الحكومة بين الذهاب بالحسنى بما يوفر كثيراً من دماء السودانيين أو مواجهة الثورة الشعبية. إن هذا التخيير هو جالون البنزلين وعلاّقة المفتاح. لكن السؤال المهم هنا هو: إذا لم يذهب النظام بالحسنى تاركاً خلفه الديمقراطية الرابعة التي شارك في انتخاباتها المؤتمر الشعبي وقدم عبد الله دينق نيال مرشحاً لرئاسة الجمهورية وآدم الطاهر حمدون مرشحاً لمنصب والي الخرطوم ودخل بعض أعضائه البرلمان، إذا لم يذهب بالحسنى فلماذا لا ينصح الترابي الناس بالصبر عليه بدلاً من أن يتحدّث عن إسالة دماء السودانيين؟! إن الدماء الآن تسيل في دارفور وجنوب كردفان بسبب أنشطة حركات التمرد، وحينما أطلق سراح الترابي ذات مرة قال عقب ذلك «أشكروا لإخوانكم في دارفور فإن الحريات لا تأتي إلا بحمل السلاح». انتهى. وقلنا إن التمرد في دارفور لم يكن بسبب الحريات، ولا الترابي ولا قادة التمرد الذين يدعو لشكرهم مؤهلون للحديث عن الحريات، وهذه الحقيقة لا تحتاج إلى شرح، فكل شيء واضح جداً دون تفاصيل مُملة. وإذا كان الترابي ينظر إلى الثورات الشعبية في بعض الدول العربية مثل مصر، فهي لم تندلع في السودان حتى الآن حتى تضع الحكومة أمام خيارين هما الذهاب بالحسنى أو الثورة. وإذا قرأ الترابي الساحة السياسية جيداً في السودان فسيجد أن ناخبي الرئيس البشير يمكن أن يقاوموا أي تحرّك ضد حكومة مرشحهم بطريقة ميدان رابعة العدوية، فالرجل له أنصاره الذين يمكن أن يعيدوه إلى الحكم بطريقة عودة نميري في 22/7/1971م، أو بطريقة عودة الإسلاميين إلى الحكم في تركيا بعد التآمر عليهم من قبل الجيش العلماني الأتاتوركي. وفي السودان يبدو أن الذي قرأ الساحة السياسية جيداً هو السيد الصادق المهدي، فهو كان رئيس وزراء منتخب نعم لكنه بعد النجاح الانتخابي الذي حققه فشل في حماية هذا النجاح الكبير وأفلتت من يده الديمقراطية الثالثة كما أفلتت من يد إسماعيل الأزهري الديمقراطية الثانية وخبرة الصادق السياسية بالتراكمات جعلته ينبذ العنف بعد مضي قرابة العقدين على خروجه متخفياً يوم عقد قران ابنته في عملية تهتدون المعروفة. ثم «أفلح» وعاد في عملية «تفلحون» . فهو لم يحافظ على ديمقراطية انتزعها الشارع من أخطر رئيس وأهيب هو جعفر نميري. لكن الترابي وهو في يأسه القديم لا يريد أن يقرأ الساحة من زاوية واقعية يريد أن يكيد بالتصريحات غير الواقعية فهو غاضب.
صحيفة الإنتباهة
خالد حسن كسلا
[/JUSTIFY]