ففي اللغة العربية تعرف بعض حالات (السبر) باسم (التطير)، وهو يعني التشاؤم سواء كان مرئياً أو مسموعاً، وسبب تسميته أن العرب في الجاهلية إذا خرج أحدهم لقضاء أمر أو لسفر قصد عش طائر فهيجه فإذا طار جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر، ويسمون الطائر هنا (السائح)، أما إذا طار جهة الشمال تشاءم به ورجع عما عزم عليه، ويسمى الطائر (البارح).. أما من الناحية الدينية، حسب العلماء، فهو محرم، ويشار إلى حديث عن “عبد الله بن عمر” (رضي الله عنه) قال: قال النبي (صى الله عليه وسلم): (من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك).
{ الأسبارعندالقبائل السودانية
تقول الأستاذة “فاطمة الأمين” بجامعة الخرطوم: برغم ما يحيط بدنيا الأسبار من غموض إلا أن فيها شيئاً من الطرافة والغرابة فالسودان معروف بتعدد قبائله واختلاف عاداتهم وتقاليدهم لذا، فإن السبر يختلف من قبيلة لأخرى، ونجده منتشراً لدى القبائل الشمالية والنيلية، وعند قبائل النوبة نجده متعمقاً بصورة أكبر لدرجة أنه يدخل في كل تفاصيل حياتهم الاجتماعية كـ(الزواج، الولادة، الختان، الحرب والحصاد)، وتضيف: لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن تلك (الأسبار) ساهمت في تقوية النسيج الاجتماعي وترسيخ التعايش السلمي بشكل كبير بين القبائل خاصة لدى النوبة، وتشير “فاطمة” إلى وجود تراجع كبير في الاعتقاد بها خلال السنوات الأخيرة خاصة بين الأجيال الجديدة، وفي ظل التقدم العلمي.
وتقول البرلمانية بالمجلس الوطني والقيادية بجبال النوبة الأستاذة “عفاف تاور” إن جبال النوبة تتميز بوجود أعراف وتقاليد محلية متعارف عليها من منطقة إلى أخرى، فإن كان يوجد (99) جبلاً فذلك لا يعني وجود (99) قبيلة، وإنما حوالي الـ(33) قبيلة، ولكل منها (سبر) معين وله مواقيت وأزمان محددة أيضاً، ومن أشهرها (سبر الحصاد) و(سبر الديبوي) الذي يتبارى فيه شباب المنطقة بملاحقة (جنى الغزال) والتسابق للقبض عليه لاختبار مدى قوة كل شاب، وتقول إن تلك المنطقة قبل الحرب كانت غنية بأنواع الحيوانات البرية كافة عدا (وحيد القرن) في ظل مناخ السافنا، وتؤكد أن هذه العادات ساعدت في ترسيخ رياضة الجري في السودان، حيث أصبح غالبية العداءين من أبناء النوبة. وتشير “تاور” إلى أن (السبر) عند النوبة يعمل على تأصيل ثقافة تداخل القبائل بمختلف مسمياتهم، كالحوازمة، الرواوقة، أولاد حميد والكواهلة، بجانب أنصهار بعض القبائل العربية بتزويج الفارس الذي يفوز في المباريات من إحدى بنات القبيلة الأخرى المتنافسة، مما جعل مجتمع النوبة (سودان مصغر).
{ قصص واقعية عن (الأسبار)
يروي حاج “الأمين علي” وهو ينتمي لقبيلة شمالية قصته مع (الأسبار) لـ(المجهر)، وقد حدثت له شخصياً عندما كان يشرع في وضع (وسم) على أغنامه كعادة أهله باقتطاع جزء صغير من أذن (الشاة) حتى يسهل التمييز بينها وبين أغنام جيرانه، وحتى لا تتعرض للسرقة من الغرباء، ليفاجأ بأحد أفراد أسرته يصرخ في وجهه ليتوقف لكن بعد أن اقتطع جزءاً صغيراً من أذن (الشاة) مذكراً إياه بأن زوجته (حامل) و(السبر) يمنع الرجل من ذبح أي حيوان أو أي شيء في هذه الحالة حتى لا ينتقل للجنين، ويقول “الأمين”: برغم أنني لا أؤمن بـ(الأسبار) إلا أن أكثر ما أدهشني عندما وضعت زوجتي طفلة جميلة وقد اختفى جزء صغير من طرف أذنها وفي نفس المكان الذي وضعت فيه (الوسم) للشاة!! ويواصل “الأمين” حديثه عن (الأسبار) قائلاً إن أهالي قبيلته (يسبرون) يوم (الثلاثاء)، فلا يقيمون فيه فرحاً أو زواجاً لأن جدهم الأكبر قتل في هذا اليوم في معركة (هكس باشا)، ويتشاءمون من يوم (السبت) لأن جمالهم ومواشيهم نهبت في هذا اليوم، بجانب وجود (سبر) يتعلق بالمرأة التي يتوفى زوجها فعليها أن ترتدي الثوب الأبيض وتجلس في اتجاه (المغارب) حتى يطلع النجم كي لا يمسها الشيطان حسب اعتقادهم. ويؤكد أن (الأسبار) مجرد خرافات لا أساس لها في الإسلام، لما فيها من عدم إيمان بالقضاء والقدر، و(تسبير) الأيام أيضاً فيه حرمة، وحسب السنة فإن كل الأيام خير وخيرها يوم (الجمعة).
ومن قبائل دار حامد بولاية شمال كردفان يسرد لنا النائب “مهدي عبد الرحمن أكرت” عن دائرة بارا الشرقية بالمجلس الوطني حكاية (السبر) في قبيلته، ويقول إن بعض الرجال يسبرون أي (يتشاءمون) الزواج من المرأة (أم سويقات) على حد وصفهم، التي تهتم بالنظافة بصورة مبالغ فيها، وفي اعتقادهم أنها تجلب الفقر.. أما المرأة التي تعترض طريق الدابة أو العربة فهي فأل شؤم و(سنيح)، وحين يستعد أحدهم للسفر ويناديه شخص ما فهو يعود ويترك السفر فوراً ويعدّها (نجيهة).. كذلك إذا (توحمت) المرأة الحامل على شيء قبيح فإن طفلها يأتي قبيحاً، أما إذا (توحمت) على طائر فإن الطفل يولد يشبه الغراب الأسود.
ومن شرق دارفور بقبيلة أم كدادة يروي النائب البرلماني “ألفا هاشم” قصة غريبة بعد تأكيده أن (الأسبار) الآن اندثرت خاصة بعد انتشار التعليم، ويقول: من الأشياء التي أتذكرها وكنت حاضراً لها أيام فصل الخريف عند انتشار آفة الجراد التي تهدد أرزاق المزارعين، حيث يسارعون باستدعاء أحد الأشخاص ليخلصهم منها مقابل مبلغ مالي، ويسمى هذا الشخص (دينمباري) ويأتي حاملاً عصا يوجهها ناحية الجراد ثم يرفعها عالياً في اتجاه بعيد عن الزراعة، عندها يطير الجراد في نفس اتجاه العصا ولا يعود للزارعة مرة أخرى.
وفي رأي النائبة البرلمانية “بثينة سعد” من قبيلة المسيرية بجنوب كردفان أن (السبر) عبارة عن عادات تختلف من قبيلة لأخرى، ومن بين عادات الزواج والختان في قبيلتها تقول: قبل المراسم لابد أن يقيم الأهل بيتاً من (البروش) على أن يكون الهيكل من الحطب بشرط أن تقام عليه شعبة من شعاب (القفل) وهو نوع من الأشجار يأتي عليها المطر فتنمو وتظلل البيت حتى لا يحدث للعريس أو الطفل المختون (كبسة) حسب اعتقادهم، إضافة إلى عادة (الجرتق)، أما العريس فيجب أن تكون (السيرة) بالحصان ويسير في اتجاه القبلة.
صحيفة المجهر السياسي
[/JUSTIFY]