فلنهنئ القوات المسلحة على ما تحقق بمحلية ود بندة، ونترحم على الشهداء ونسأل الله أن يشفي الجرحى، وكذلك نسأل الله الرحمة والمغفرة للدكتور خليل إبراهيم، وأن يحفظ وطننا من كل شر وسوء، ويكرم شعبه بالسلام والاستقرار وبكل فضائل الحياة الكريمة والشريفة، اتفقت فيه الآراء أو تباينت حوله، فإن موت أي إنسان يجب ألا يسعد أي إنسان آخر، والشماتة في مقام الموت ليست من كريم الخصال، بل حتى في سوح التدريب يتعلم الجندي كل فنون القتال ثم يتعلم معها أن الغاية العظمى من ضرب العدو ليس قتله، بل شل حركته بحيث لا يشكل خطرا عليك، ولذلك شدد دين الله الحنيف في إطعام أسير الحرب، وما الإطعام هنا إلا رمزية عميقة لحسن المعاملة، هذا من حيث المبدأ العام، ثم يتوق الشعب السوداني إلى استقرار سياسي يحفظ أرواح ودماء كل أبناء السودان، بمختلف أفكارهم السياسية، ولذلك كان الأمل أن تسع سوح السياسة السودانية خليل إبراهيم – وغيره – عبر اتفاق سلام يطوي ملف حروباتنا المتتالية، ولكن قدر الله وما شاء فعل ولا راد لقضاء الله.
**ثم، نعم ما تحقق بمثابة انتصار للقوات المسلحة على أقوى حركة مسلحة لم تكن تكتفي بحرب الاستنزاف في الأطراف فقط، بل غامرت بكل عدتها وعتادها ذات عام حين فكرت في غزو الخرطوم، ونفذت تفكيرها، ونعيد لذاكرة الناس من أخبار صحف السبت الفائت، التي لم تثر اهتمام الكثيرين، أن طوفا إداريا قوامه بعض رجال الإدارات الأهلية تعرض لعمليات قتل ونهب بمحلية ود بندة بشمال كردفان، وأفاد العقيد الصوارمي خالد سعد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة أن القوات المسلحة تتعامل بحسم مع الجماعات المسلحة التي قتلت ونهبت ذاك الطوف الإداري بتلك المنطقة، وما كانت تلك الجماعات المسلحة إلا قوات العدل والمساواة، استوقفني الخبر، فتلك المنطقة لا تبعد كثيرا عن عاصمة شمال كردفان، أي حوالى (180 كيلو)، ثم آثار الاعتداء على زعماء الإدارة الأهلية تختلف عن آثار الاعتداء على مواطنين، بحيث زعيم الإدارة الأهلية بتلك المناطق بمثابة الأب الروحي لأهله وعشيرته وقبيلته، والاعتداء عليه كما الاعتداء على الأهل والعشيرة والقبيلة، ولذلك أوقفني الخبر بحيث تشير وقائعه إلى افتقار تلك الجماعات المسلحة للفطنة والكياسة، نعم ليست من الفطنة السياسية أن تقتل وتنهب زعماء إدارة أهلية، وكذلك ليست من الفطنة العسكرية أن تناوش في مناطق هي بمثابة حرم عاصمة ولاية.
**وعليه؛ ما حدث لحركة العدل والمساواة بمحلية ود بندة كان متوقعا، إذ هي منذ تأسيسها حتى معارك الأسبوع الفائت لم تكن تتحسب، بحيث تدرك أنها تقاتل القوات المسلحة وليست جماعات مسلحة مثلها، ولا يخفى على أحد أن من أسباب احتفاظ الحركة الشعبية بقواتها وقادتها طوال سنوات حرب الجنوب، أنها كانت تحارب في أطراف الجنوب والحدود اليوغندية حرب استنزاف وتناوش بنهج حرب العصابات، ولم تحدثها نفسها أن تهاجم القوات المسلحة مباشرة في جوبا، ناهيك عن الخرطوم، وقد جربت المواجهة المباشرة ذات عام بجوبا وتكبدت الخسائر الفادحة ولم تعد تجربها مرة أخرى، بل ظلت تطبق نظرية (اضرب واهرب) بأطراف الجنوب إلى أن تحقق السلام وذهبت بدولتها وفق خيار شعب الجنوب، ولكن حركة العدل والمساواة لم تتعلم من تجربة الحركة الشعبية، بل لم تتعلم حتى من تجربتها ذاتها (معركة أم درمان)، ولذلك كان طبيعيا أن تخسر قائدها والحرب -وليست معركة في محلية ود بندة-، ومع ذلك، كما تنتصر القوات المسلحة في معاركها العسكرية، يجب على الساسة الانتصار في سوح السياسة،أي كان ولا يزال وسيظل السلام والاستقرار السياسي هما الغاية المنشودة.
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]