> ويكاد الأفق السياسي ينسد تماماً، وتنذر الأحداث المتتالية والمتلاحقة وتطوراتها السريعة الجارية في مصر الآن، بمستقبل مظلم لهذا البلد، إن لم يتداركه أهله بسرعة الأوبة للحق والتصالح وإعادة الأمور إلى جادة الصواب، ووضع حلول عاجلة لحالة الصدام والمواجهات وإنهاء الحكم العسكري الباطش وعودة الحرية والحكم الديمقراطي المدني.
> وخسرت مصر لأول مرة في تاريخها مكانتها الإقليمية بهذا الانقلاب، فالاتحاد الإفريقي جمَّد عضويتها، وصارت الدولة الرائدة عربياً وإفريقياً تماثل الدويلات الإفريقية المضطربة الموبوءة بالانقلابات والاضطرابات وتعليق العضوية في مؤسسات الاتحاد الإفريقي.. فالموقف من مصر في الفضاء الإفريقي يتساوى مع ما حدث في إفريقيا الوسطى أو سيراليون وغينيا بيساو وغينا كوناكري أو ساتومي وبرنسيب!!
> فماذا خسرت مصر بوأد الشرعية فيها واغتصاب السلطة بواسطة الجيش؟!
1/ في الداخل المصري حدث الانقسام الحاد والاستقطاب الجارف في المجتمع المصري وتشطى تماسكه وانفتحت فوهات النار والجحيم بين قطاعاته وطوائفه وأحزابه، ومن الصعب التئام هذا الجرح بسهولة، وباتت الأوضاع على شفير هاوية سحيقة يستعر لهيبها لا تبقي ولا تذر.. ولا يبدو من تداعيات الأحداث ورفض الانقلاب وما ترتب عليه ونتج عنه، أن الأوضاع يمكن أن تسلس قيادتها وتهدأ بعد أن سالت الدماء وسقط عدد من خيرة الشباب برصاص البلطجية وجهات في الدولة كما يُبث ويُذاع في وسائط الإعلام، وهذا الوضع له كلفته العالية على مصر وصورتها ومكانتها، وأنها أصبحت ساحة لصراع دولي وإقليمي ومكاناً لتصفية الحسابات، تجلت فيها قدرة القوى الإقليمية والدولية على ضخ المال وتأليب المجموعات الفوضوية لتحقيق أهداف سياسية، ويزداد التراجع بعودة فلول النظام المباركي السابق إلى واجهة الأحداث وحدوث تحالفات بين هؤلاء الفلول ومن يدَّعون الديمقرطية والحرية من رموز التيار العلماني المصري المستنصر بالقوة العسكرية، وهو تيار غير ديمقراطي هزم في الانتخابات الماضية البرلمانية والرئاسية، وجاء على ظهور الدبابات إلى كراسي الحكم.. ولن تستطيع هذه القوى مهما فعلت أن تحقق المصالحات الوطنية المنشودة من الجميع، وستغرق المركب بمن فيها من الناس في ظل هذه الحالة الشائكة والمعقدة التي دخلتها مصر بتصرف تحالف العسكر والعلمانيين.
2/ على المستوى الإقليمي، خسرت مصر الاتحاد الإفريقي، ولا تستطيع الجامعة العربية ومقرها في القاهرة في ظل هذه الأوضاع المتفجرة أن تتخذ مواقف محددة، وسط انقسامات ومواقف متباينة من البلدان العربية بشأن الانقلاب الذي انقض على السلطة المنتخبة، ويظهر من مواقف الدول العربية المعلنة والمستترة حجم وأبعاد المسافات بين الحكومات العربية.. وهذه خسارة وليست منطقة وسطى تقف فيها مصر اليوم.
3/ على المستوى الدولي هناك حالة من الحيرة المتأرجحة بين الرفض والقبول، لانقلاب الجيش على حكم الرئيس مرسي، فالدول الغربية رغم تشدقها بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كانت تؤيد خطوات الانقلاب وتقف معه، وتحاول التعمية والتمويه على هذا الموقف بعبارات مطاطة وتعبيرات خادعة، وهذا في حد ذاته موقف يضعف من تأييد الانقلاب وما تمخض عنه، وتتضاءل صورة مصر عالمياً مهما حاول مؤيدو الانقلاب في الداخل والخارج وضع مساحيق تجميلية عليه، فقضية كتم الحريات وقمع الصوت المعارض والتعدي على حقوق الإنسان والاعتقالات والعسف وسوء استخدام القانون لقهر المخالفين وأتباع الرئيس مرسي من قطاعات الشعب المصري العريضة، ستجعل من الصعب على الحكومات الغربية أن تغض الطرف عما يجري وتخادع الرأي العام العالمي الذي يطلع على كل صغيرة وكبيرة عما يجري.
> إذا كانت مصر قد خسرت تماسكها الوطني الداخلي بخطأ فاجع وفادح ارتكبه التيار العلماني والأحزاب المعارضة المتحالفة مع الجيش، وفقدت التأييد والمؤازرة الإفريقية، وربما تتعقد الأمور أكثر مع دول حوض النيل خاصة على إثر الخلاف المصري الإثيوبي الأخير حول سد الألفية، ولم تجد تأييداً عربياً كاسحاً للسطة القادمة على أسنة الرماح وظهور الدبابات، وتخشى الحكومات الغربية إعلان تأييدها صراحةً للانقلاب العسكري.. فإن خسارة مصر باهظة التكاليف وستزيد الأمور تشويشاً، ولا يعرف ما الذي سيحدث في غضون الأيام القادمة مع مضي الوقت وتصاعد الرفض الشعبي.
صحيفة الإنتباهة
الصادق الرزيقي