بعد (24) سنة من حكم الإنقاذ، أليست هذه الفترة أكثر من كافية وعليكم أن تفسحوا المجال لغيركم حتى يقودوا البلاد؟

في حوار مع دكتور نافع :بعد (24) سنة من حكم الإنقاذ، أليست هذه الفترة أكثر من كافية وعليكم أن تفسحوا المجال لغيركم حتى يقودوا البلاد؟

– ألا تخشون من مواجهة حزبكم لنفس مصير الحزب الوطني في مصر وممّ يخاف على المؤتمر الوطني؟

– هل لديك القدرة على أن تقدم مثالاً بالإبتعاد عن كابينة القيادة في المؤتمر الوطني والدولة؟

– بعد أن ذرف دموعاً من أجل الوحدة هل يرى الآن إن العلاقة مع الجنوب كانت تستحق كل ذلك التأثر والدموع؟

– إذا ترك د. نافع السياسة ففي أى مجال سيعمل؟د. نافع علي نافع أحمد، (65) سنة، تنطبق عليه دائماً مقولة رجل المؤتمر الوطني القوي. وهو كذلك المساعد الأول لرئيس الجمهورية، ويعد من أكثر السياسيين في السودان إثارة للجدل خاصة عندما يطلق كلماته كما الرصاص في وجه من يتربصون بالإنقاذ ومشروعها الإسلامي. حيث ينقسم الناس إزاءه بشكل كبير.. فالبعض يحبه بشدة ، وآخرون يكرهونه كذلك. لكن مؤيدي نافع وخصومه يعترفون بصدقه ووضوحه الشديدين. بينما لا يأبه هو في الواقع بكل ذلك، ويمضي للذود عن مشروعه بلياقة سياسية لافتة تعزز الموقف المسبق منه.

(الرأي العام)، غطت زيارة د. نافع إلى الصين في الأيام الفائتة، وفي الطريق من مدينة تشانغتشو إلى بكين جلست في المقعد المجاور له بأحد القطارات السريعة ، وكان هذا الحوار الذي أتقن فيه د. نافع الحديث بتلقائية من توقع الأسئلة مسبقاً، ووضع حتى أمام الأسئلة الماسخة، ما تتطلب من إجابات برحابة صدر غير مسبوقة في مثل هذا النوع من الحوارات الذي يتقاطع فيه الخاص مع العام، فكان ذلك مبعث لطرح المزيد من الأسئلة دون خطوط حمراء . ولما كانت زيارة نافع إلى هناك بغرض قيادة الحوار الإستراتيجي بين المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الصيني، فقد كان من المناسب فيما يبدو أن نبتدر بهذا السؤال:

* ألا تعتقد أن هنالك ازدواجية في موقف د. نافع الذي يعتبر من أكثر المهاجمين للحزب الشيوعي السوداني في الداخل، بينما في الخارج أنت من أكثر المتقاربين مع الحزب الشيوعي الصيني؟

– العكس صحيح تماماً، أنا أرى أن هذا دليل على أننا ليس لدينا عداء شخصي مع أشخاص أو تنظيم بقدر ما أنه عندنا مواقف واضحة جداً من سياسات وأهداف وإستراتيجيات هذه الأحزاب، فالحزب الشيوعي الصيني مثلاً نحن أصدقاء معه لأنه في تقديرنا هو يمثل حزباً حاكماً يقيم علاقات متميزة جداً مع الأقطار الإفريقية والعربية والآسيوية، بمعنى آخر يقيم علاقات طيبة مع هذه الدول النامية ويساعدها في علاقاتها السياسية على المستوى الرسمي، فإذن هذا حزب صديق. وأنت لا يمكن أن تتخذه غير صديق، إذا كان هو حزب سياسته العامة نحو بلدك وقارتك وأمتك هى سياسة موازية تماماً للسياسة الغربية الاستعمارية التي تود أن تحفظ هذه الدول في مربع التخلف..

*في المقابل، ألا يمكن للحزب الشيوعي السوداني أن يكون صديقاً لكم؟

– يمكن أن يكون صديقاً، لكن ليس هذا هو الواقع الآن. نحن نعتقد أنه ليس لدينا موقف يجعلنا في عداء مع الحزب الشيوعي السوداني أو مع أى حزب آخر بقدرما – كما قلت- موقفنا من مواقفه. ولو أن الحزب الشيوعي السوداني، ولو أن الأحزاب الشيوعية العربية كلها تواطأت مع الواقع السياسي وقبلت أن تكون هي أحزاب تؤمن بالديمقراطية وتؤمن بالدورات الانتخابية ولا تقف موقفاً عدائياً من توجهات الآخرين، لما أصبحت لنا معه قضية، ولكن نرى أن هذا ليس موقف الحزب الشيوعي في السودان.

* في كثير من الأحيان.. أنت تتحدث بخشونة بالغة عن المعارضة، فهل هذا هو طبعك الشخصي أم أن السياسة أجبرتك على ذلك؟

– أعتقد أول حاجة أن موقفي ليس فيه خشونة، وأنا لا أتكلم بشيء من الحدة أو الوضوح إلا رداً على آخرين. ويمكن للدراسين أن يروا أن مواقفنا ليست عداء نبدأه ضد الآخرين بقدرما هى ردود على تطاولهم. وحقيقة أنا لا أرى سبباًإذا نحن نؤمن بأن الذي عليه الحق، وأننا نعمل فيه بمعيار الشفافية والانفتاح على الناس وإقناع أهلنا وجماهيرنا برأينا، لا أرى سبباً لأن نترك الآخرين يتطاولون علينا بدون وجه حق، حتى ينتصروا علينا انتصاراً معنوياً.

*ومع ذلك، ألا ترى أنك كثيراً ما (تشيل وش القباحة) كما يقولون خاصة فيما يتصل بخطابك عن المعارضة؟

– والله كأن الناس يودون أن يقولوا لماذا لا يتحدث الآخرون بطريقة نافع. أنا حقيقة لا أجد لنفسي عذراً، واعتبر أن هذه الطريقة الواضحة ضرورية للدفاع عن قضيتنا ومشروعنا وفكرتنا وإبطال الباطل الذي يحاول أن يستعلي عليها. وأنا شخصياً ألاحظ أن كثيراً من القيادات لا تود أن تفعل ذلك، ولو كلنا فعلنا مثل ذلك لضاعت القضية.

*أنت تتحدث كثيراً عن استهداف المشروع الإسلامي، لكن هل تشعر في المقابل أنك كـ (نافع) يمكن أن تكون مستهدفاً بصورة شخصية؟

– إذا المعارضة والقوى التي لا تود هذا المشروع ترى في شخصي هو الشخص الذي يفضح إستراتيجيتها، وهو الشخص الذي يمكن أن يقارن بين خطها وخطنا السياسي، وهو الشخص الذي يقف حجر عثرة في سبيل الانتصار المعنوي قبل المادي، فلابد لها أن يكون لها رأي بأن تستهدف هذا الشخص.

*كثيرون يقولون إن نافع لم يكن شخصاً مذكوراً ومعروفاً قبل الإنقاذ.. أين كنت وقتها من مجاهدات الإسلاميين؟

– القول بأني لم أكن معروفاً من قبل، هذا قول فيه الكثير من الحقيقة. فأنا كنت منتمٍ للصف الإسلامي منذ الثانوي لكن حتى تخرجت في الجامعة لم أكن في الصف القيادي، والسبب الرئيس أنه ليست من طبيعتي هذه السياسة، وحتى الآن أنا أمارسها ولا أحبها. فالظهور في السياسة يحتاج إلى كثير من الطبع الذي ليس محبباً إلى نفسي، لكن أنا بدأت أعمل عملاً تنظيمياً عنده قيمة كبيرة في تقديري بعد العودة من أمريكا في أواخر عام 1980م، وحتى في ذلك الزمان كان تكليفي في العمل التنظيمي أكثر من العمل السياسي المفتوح، والعمل التنظيمي هو أحب إلى نفسي من العمل السياسي المفتوح. لكن طبعاً بعد انتصار الثورة كان لابد أن يخرج بعض الناس من العمل التنظيمي الخاص إلى العمل المفتوح وكان التكليف.

*البعض يتندر بإجابة قيل إنها للدكتور الترابي عقب إطلاق سراحه من الاعتقال الأول بعد المفاصلة، فقد قال رداً عن سؤال ما هو أكثر ما أثار استغرابك بعد خروجك من السجن: (طلعت لقيت نافع أصبح سياسياً)؟

– له الحق طبعاً، لأنني لم أكن سياسياً، وهو كان يعلم أني ممسك بالملف النقابي، وهو عمل سياسي كبير ولكن ليس سياسياً كبيراً بالعمل التقليدي ، معنى الظهور والترشيح في البرلمانات والتوزير وهكذا. فهو معه حق، وأنا ما كنت أتوق وما زلت لا أتطلع لأن أكون سياسياً.

*هل صحيح أن لدكتور نافع رأياً في وجود الحركة الإسلامية، لجهة اعتقادك بأن المؤتمر الوطني هو تطور طبيعي لها، وينبغي عدم الرجوع إلى الوراء؟

-أبداً أنا لا أؤمن بهذا الرأي. أنا أؤمن بأن وجود الحركة الإسلامية في تنظيم منضبط هو ضمانة قوة المؤتمر الوطني وضمانة قوة استمرار المشروع. ولذلك لا أرى حرجاً في أن توجد حركة إسلامية قوية لأني أعتقد أنها هى قلب المؤتمر الوطني وقلب الدولة..

=مقاطعة=

*الحديث عن (حركة إسلامية منضبطة) هل يعني أن تكون الحركة مدجنة بلا أنياب وبلا مبادرات جريئة في مسألة إدارة الحكم؟

– لا، أنا أعني بذلك ما هو العمل الذي يمكن أن تقوم به الحركة الإسلامية؟. وفي تقديري العمل الذي يمكن أن تقوم به الحركة الإسلامية هو العمل الذي لا يمكن أن يقوم به المؤتمر ولا تقوم به حتى الدولة، وأرى أنا أننا نحتاج كذلك توضيح علاقة الحزب (المؤتمر الوطني) بالدولة، وتوضيح هذه العلاقات هو الذي أعنيه بالانضباط، أن ينضبط المؤتمر الوطني فيما يوصف له من مهام وأن تنضبط الحركة فيما يوصف لها من مهام حتى لا يكون هم الحركة ولا حتى هم المؤتمر الوطني هو أن يكونوا وزراء ظل مادام الوزراء والجهاز التنفيذي فيه خيارات قيادات الحركة وخيارات قيادات المؤتمر الوطني، فلماذا نديرهم بالريموت كنترول.

*من الاتهامات القاسية التي توجه لك د. نافع، هى أنك تحكم المؤتمر الوطني بالحديد والنار والبندول؟

– هذه قول اليسار وقول المعارضة لأنها والحمد لله لم تجد أن تقول غير ذلك. لكن أنا شخصياً أفتكر أن الناس الذين عملوا معي في أي عمل تنظيمي على عكس ما هو مشاع فيه كثير جداً من الشفافية والشورى والديمقراطية، وأنا لا أريد أن أزكي نفسي، ولعلي حتى في العمل التنظيمي المحض في النقابات وفي غيرها كان هذا منهجي، ولعل أفضل من يُحدِث عن ذلك هم الذين عملوا معي حتى في جهاز الأمن.

*على ذكر جهاز الأمن.. هل تعتقد أن تجربة الجهاز كانت خصماً عليك؟

– أنا لا أعتقد أن أي عمل لصاحب المشروع والفكرة – مهما كانت تكلفته الشخصية- يمكن أن يسمى خصماً عليه، لأنه يسير في مسار معين فكرياً وعقائدياًوينبغي أن يعطي في أى مكان مهما كان الخصم الشخصي عليه. وأي تكليف أنت تستطيع أن تعمل فيه شيئاً لابد أن تكون سعيداً بذلك.

* ألم تشعر بشيء من الخجل في تجربتك الأمنية؟

– لم أكن راغباً فيها إبتداءً، ونحن فهمنا للأمن قبل أن نكون جزءاً منه هو الفهم السوداني التقليدي أي أنه ليس أفضل الأماكن التي تعمل فيها، وأنا متأكد أن أسرتي القريبة كانت تشعر بشيء من الضيق من هذا التكليف. لكن بعد أن دخلنا فيه وشعرنا بأننا نؤدي وظيفة هي لتوطين هذه الفكرة ولتوطين هذا المشروع ولتثبيت السودان وتركيز استقلاله، فأبداً لست نادماً على ما فعلت ولست شاعراً بأي نوع من الحرج.

*يقال إن د. نافع لا يستطيع أن يتعايش مع خصومه؟

– هذا غير صحيح، وأنا كنت في كل جولات الحوار مع الحركة الشعبية، وكنت في جولات الحوار حول المنطقتين، وكنت في جولات الحوار مع التجمع في القاهرة، وأعتقد أن أي شخص منصف ليس مردداً لما يسمعه أو متأثراً بمواقفه الشخصية مني يدرك أن هذه ليست الحقيقة.

*هل لديك أي شكل من أشكال التواصل في الفضاء الاجتماعي مع الذين تختلف معهم سياسياً- على الأقل؟

– بصفة عامة، أنا لست اجتماعياً بالقدر المطلوب (لا مع الخصوم ولا مع غير الخصوم). لكن العكس تماماً، أنا في إطار هذا المنهج عندي علاقات قوية جداً مع اليسار ومع كل الأحزاب السياسية، وحتى حدة المواقف لا تترك ترسباً في نفسي، ترسباً يحول بيني وبين العلاقة مع الآخرين.

*كثير من الناس يتحدثون عن شرخ ما في العلاقة بينك وبين النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه.. ما هى طبيعة العلاقة ومدى صحة ما يتردد عن خلافات بينكما؟

– أول شيء، الذي يعرف الأخ علي عثمان ويعرف شخصي، يعرف أن شخصيتينا غير قابلتين لخلاف يتحول لخلاف شخصي أبداً، لأنه ليس هناك منافسة بيننا، وليست هناك مطامع، وليست هناك مقاصد يشعر فيها الآخر بأن الآخر يقف عقبة في سبيله. لكن إذا رأى الناس شيئاً من التباين،وشيئاً من الاختلاف في وجهات النظر ومنهج العمل التعبير عنه، فأنا أرى أن هذا يحسب حسنة وليست منقصة في العمل الجماعي.

*قلت إنه لا يوجد تنافس بينكما، لكن التنافس بينكما متوقع وربما يكون قائماً وأكيد باعتبار أنكما الأبرز الآن في قيادة الحزب والدولة؟

– في وجهة نظر القاعدة ممكن، لكن نحن لا نتحدث عن أشخاص. فنحن الاثنين نود أن يكلف غيرنا، لكن نحن جنود في هذه الحركة، وتقدم وتؤخر من تشاء والذي يُقدم يشعر بثقل التكليف ، والذي لا يكلف يشعر أنه في رحمة من رب العالمين.

*طيب ماذا عن علاقتك مع السيد الرئيس وما هى حدود هذه العلاقة مع الرئيس ومع بقية المساعدين؟

– الحمد لله شاعر بأن علاقتي طبيعية جداً مع الذين يعملون معي أو الذين أعمل معهم، وفي كل الحالات هي مبنية على أني أقول رأيي وليس من الضرورة أن يكون هو رأي الأخ الرئيس أو رأي الأخ علي عثمان أو هو رأي الذين دوني، لكن في النهاية أقبل بالرأي الذي يبدو عليه الإجماع. وما عندي برتكولات ولا حرج في أن أكون صريحاً في آرائي السياسية.

*يقولون إن الذين يرتكبون أخطاء سياسية غالباً ما تؤثر في مسيرتهم إلا د. نافع فيما يبدو؟

– بأمانة أعتقد أن هذه طبيعة الانتظام في أي تنظيم، يعني لا يكون لديك موقف معين تشعر بالهزيمة إذا لم يقبل وإذا قُبِل تشعر بالانتشاء والتطلع إلى ما ينبغي أن تتطلع إليه. أنت تسعى في عمل وتقبل فيه رأي الجماعة، ولذلك أنا لا أشعر في نفسي بحرج بأن يقبل رأيي أو لا يقبل.

*عندما سألت السؤال السابق، كنت استبطن رفض الاتفاق الذي عرف إعلامياً باتفاق (نافع – عقار) ألم تشعر بشيء من الهزيمة ربما بعد رفض المكتب القيادي للاتفاق؟

– لم أشعر بهزيمة على المستوى الشخصي، ببساطة لأننا نحن وجدنا الرأي الغالب جداً في المكتب القيادي كان على غير ما رأينا، ويمكن أن نكون استغربنا أو شعرنا بأن هنالك حقائق لم تستجلى أو هناك موقفاً عاطفياً صنعه الرأي العام هو الذي أدى إلى هذا الموقف. لكن في النهاية نحن قدرنا لاعتبارات كثيرة جداً والمكتب القيادي كان لديه رأي غالب إن لم يكن شبه إجماع ولذلك لم نشعربأن هنالك قضية شخصية.

*أما زلت ترى أن ذلك الاتفاق قابل للحياة أو ربما للبناء عليه في أية اتفاقيات محتملة؟

– أفتكر الناس محتاجة تفهم هذا الاتفاق على حقيقته، فهو ليس أكثر من أجندة للنقاش، وليس بالضرورة أن نرجع إليه ويمكن أن نضع في أية لحظة من اللحظات الأجندة وفق ما تحددها المرحلة التي تجري فيها المحادثات. وأنا لا أرى هنالك حديثاً عن ضرورة الرجوع إلى اتفاق (نافع ? عقار) إلا إذا كان الذين يقولون بذلك عندهم في أنفسهم هوى وغرضاً مستبطناً غير الذي نعرفه نحن..

(الرأي العام)، غطت زيارة د. نافع إلى الصين في الأيام الفائتة، وفي الطريق من مدينة تشانغتشو إلى بكين جلست في المقعد المجاور له بأحد القطارات السريعة ، وكان هذا الحوار الذي أتقن فيه د. نافع الحديث بتلقائية من توقع الأسئلة مسبقاً، ووضع حتى أمام الأسئلة الماسخة، ما تتطلب من إجابات برحابة صدر غير مسبوقة في مثل هذا النوع من الحوارات الذي يتقاطع فيه الخاص مع العام، فكان ذلك مبعثاً لطرح المزيد من الأسئلة دون خطوط حمراء . فإلى الجزء الأخير من الحوار:

Exit mobile version