ويبدو أن المقصود بالمدنيين الذين يقدمون للقضاء العسكري هم المتهمون بالتورط في المساس بالأمن القومي للبلاد، وهم غير المدنيين الذين لا ترتبط الجرائم المتهمون بارتكابها بالأمن القومي أو تقويض النظام الدستوري أو استهداف استقرار المواطنين الآمنين.
إذن حماية عدالة المحاكمات العسكرية يكون بخضوعها للمحكمة العليا القومية، وهي نفسها يخضع لها القضاء المدني. وإذا كانت ميزة القضاء العسكري هي عدم تأخير وتأجيل جلسات المحاكمة فهذا أفضل حتى للمتهم حتى لا ينتظر طويلاً وبعد طول انتظار تبرأ ساحته إذا كان بريئاً. ولا فرق بين القاضي المدني والعسكري في السودان، فكلاهما يحمل المؤهلات الأكاديمية والمهنية. كما لا فرق بين الطبيب المدني والطبيب العسكري في السلاح الطبي. وإذا كان الخوف من غياب حق الاستئناف في القضاء العسكري يمكن أن نقول إن العدالة فيه منتقصة لكن وزير الدفاع يقول إنه يخضع للمحكمة العليا القومية، وقال أيضاً إن معايير الالتحاق بالقضاء العسكري أدق منها بالقضاء المدني. لكن في هذا التصريح ربما انحاز وزير الدفاع لمؤسسته العسكرية فالمعايير واحدة؛ لأن القضاء واحد في السودان سواء المدني أو العسكري، لكن تخصيص قضاء مستقل داخل المؤسسة العسكرية يخضع للمحكمة العليا القومية يبقى من ناحية سرعة وسهولة الإجراءات وتقصير مدة الانتظار التي غالباً ما تكون طويلة في محاكم القضاء المدني لكثرة القضايا الجنائية والإدارية.
إن الذين اعترضوا داخل البرلمان على إجازة قانون القوات المسلحة بعد شموله لمحاكمة المدنيين المرتبطين بأنشطة عسكرية معادية للدولة ولاستقرار المواطنين، كان الأفضل يهتموا بمسألة خضوع القضاء العسكري للمحكمة العليا القومية، وأن يرحبوا بتصريح وزير الدفاع حول هذا الأمر فقد قال إن القضاء العسكري الذي سيحاكم مدنيين (معينين) وليس أي مدني من الشارع يخضع للمحكمة القومية العليا.
وإذا كانت المحكمة العسكرية الذي يمثل أمامها مدنيون (معينون) تخضع للمحكمة العليا القومية فما الذي يدعو تسعة وثلاثين نائباً برلمانياً من ضمنهم غازي صلاح الدين للاعتراض على إجازة القانون الذي وافق عليه 109 نواب؟! الطريف أن إحدى الصحف المعروف اسمها منذ ثمانينيات القرن الماضي أبرزت عنواناً في صدر صفحتها الأولى يقول (تسعة وثلاثون برلمانياً يعترضون على إجازة قانون الجيش).. انتهى. وكأن عدد البرلمانيين الحاضرين كان أربعين أو خمسين ولم يكن حوالى مائة وستين. وقد صوَّت لصالح التعديل مائة وتسعة. والتسعة والثلاثون الذين اعترضوا على إجازة القوانين قد اتخذوا قرارهم بناءً على مزاج سياسي كما يبدو ولأنهم لم يقدموا حجة منطقية مثل وزير الدفاع.
صحيفة الإنتباهة