عليهم اللعنة
رن هاتف منزلي، في ساعة متأخرة من الليل، فنهضت فزعا جزعا، ورفعت السماعة فإذا بصديق لي كان على سفر في دولة أجنبية على الطرف الآخر، وسبب الفزع والجزع هو أن جميع من يتواصلون معي هاتفيا يعرفون أنني أرفض الزيارات الاجتماعية والاتصالات الهاتفية بعد التاسعة مساء، وبالتالي فإن سماع صوت شخص أعرفه ويعرفني جيدا بعد منتصف الليل أقلقني، فقلت له بلهفة: لا تقل لي انك مت إثر علة لم تمهلك طويلا، أو في العناية الفائقة في المستشفى اثر حادث أليم! قال: الشر بره وبعيد، وكل ما هناك هو أنني أريد منك ان تفتح قناة كذا الفضائية، لترى البرنامج المقدم عليها في هذه اللحظة!! وددت لو أستطيع لف حبل التلفون حول عنقه وأوصله إلى العناية الفائقة لتكتب الصحف انه مات خنقا في ظروف غامضة!! المهم انني شتمته بالعربية والنوبية والإنجليزية والبلجيكية، فازداد إصرارا على ان أتابع البرنامج، مضيفا انه يستحسن ان افعل ذلك من وراء ظهر زوجتي!! هنا أدركت ان مشاهدة ذلك البرنامج ترقى إلى الخيانة الزوجية، فأيقظت ام العيال وسردت لها أمر المكالمة، فاقترحت ان ألقي نظرة على البرنامج فلربما كان متعلقا بأمر مهم، يتعلق بعملي في الصحافة التلفزيونية، فقلت لها: يا بنت الناس والله لو عجنوا كل القنوات العربية وخبزوها لما وجدت في ناتج ذلك امرا جديرا بالاهتمام في هذه الساعة من الليل لأن العرب حكومات وشعوبا لا يفعلون شيئا ذا بال بعد وجبة الغداء!! على كل حال فتحت التلفزيون على تلك القناة ووجدت راقصة معروفة تتوسط الشاشة مرتدية ما قلّ ودلّ (لن أذكر اسم القناة او البرنامج ليس خوفا من الملاحقة القضائية ولكن لأن ذلك سيكون ضربا من «القوادة» ولعل هذه الكلمة تلخص رأيي فيما شاهدته)، وكانت معها واحدة أكثر ابتذالا قالوا إنها صحفية،.. ولو كنت املك صحيفة تصدر على ورق دورات المياه المستعمل لما سمحت لها بالكتابة فيها، وقد توافقونني الرأي بعد ان تقرأوا لاحقا عينة من أقوالها المأسورة (وهي غير المأثورة)!! ما استفزني وحملني على تقطيع هدومي هو ان الراقصة والغانية التي كانت معها بدأتا الحديث بتحية «المجاهدين في فلسطين والمرأة الفلسطينية لصمودها في وجه الاحتلال الفاجر..ونعاهد أمتنا على مواصلة النضال حتى تقوم دولة فلسطين.. وسنكرس كل إمكاناتنا لنصرة شعب فلسطين» صحت فيهما: يا بنات قراد الكلب لا تلوثا اسم فلسطين بشفتيكما الوسختين وعززا صمودكما أمام النقوط التي يحشرها صناديد علب الليل في صدريكما اللذين تعتاشان من هزهما!! ثم دخلوا في الموضوع (إذا جاز أن نسمي الحديث عن حركات الرقص الشرقي «موضوعا»)، وجاء واحد يدل اسمه فقط على انه رجل ليحدثنا عن أفانين الرقص، يعني لم يكن له نصيب من الرجولة لا من حيث الشكل ولا الصوت.. فقط الاسم كان رجاليا، وتحدث هذا الـ «نُص كُم» عن دور الرعشة في التعبير عن المواقف، هنا قاطعته الصحفية المزعومة قائلة: الرعشة دي تخصصي..أنا برتعش بدون موسيقى..ثم ارتعشت وأثبتت لنا انها فاجر بجدارة!! وللمرة الأولى أحس بأن زوجتي تحسن بي الظن وأنا أمام غواني التلفزيون، فقد أمسكت يدي برفق قائلة: ليس ثمة داع لرفع ضغط الدم عندك بسبب هؤلاء الحقيرات..ومن بكرة بلاش تلفزيون خالص…. فعلا بلاش تلفزيون إذا كانت تلفزيونات أوروبا تنقل أحداث سوريا الدامية، وقناة عربية تنقل إلينا جلسات لنساء ما عندهن دم او حياء!!ئي
جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]