الطيب مصطفى : بين الحكم الشمولي والانتخابات!!

[JUSTIFY]خلال انعقاد الجلسة الافتتاحيَّة لمجلس شورى المؤتمر الوطني تهكَّم الرئيس البشير من تهديد المعارضة بإسقاط الحكومة خلال مائة يوم وحقَّ للرجل أن يتهكَّم بعد أن تنصَّل قادةُ المعارضة من ذلك البرنامج المضحك والمثير للسخرية ولكن دعونا نتأمَّل بعضَ ما تحدَّث عنه الرئيس ونعلِّق عليه فقد دعا البشير الأحزاب السياسيَّة إلى تجهيز نفسها للانتخابات القادمة وقبل أن نعلِّق دعُونا نستصحب حديث نائب الرئيس الحاج آدم أمام المؤتمر التأسيسي لحزب الأمَّة المتَّحد فقد قال إن هناك أحزاباً تضع يدَها مع الحركات المسلَّحة من أجل إسقاط النظام واصفاً تلك الأحزاب بالطابور الخامس وأكَّد أنَّ الدولة لا تقبل بأن تمارس أحزاب المعارضة نشاطَها السياسي بدعم المتمرِّدين.

أولاً دعونا نتفق مع حديث الحاج آدم برفض السماح للأحزاب المعارضة بممارسة نشاطها السياسي بدعم المتمرِّدين لأنَّ ذلك مُخالف للدستور ولجميع الثوابت الوطنيَّة سيَّما وأنَّ حمل السلاح يهدِّد بقاء الدولة ويذكِّر بما جرى في الصومال وغيرها من الدول الفاشلة التي شهدت انهيارًا للدولة.
لكن ماذا عن الأحزاب التي رفضت حمل السلاح وشاركت في جميع فعاليات التصدِّي للمُعتدين على أب كرشولا وأم روابة وغيرهما من المناطق خلال الهجوم الأخير للجبهة الثوريَّة بل والتي رفضت ميثاق الفجر الجديد وتحالف كمبالا؟!
نرجع لحديث البشير والذي كرَّره عددٌ من قيادات المؤتمر الوطني حينما دعا الأحزاب إلى (تجهيز نفسها للانتخابات القادمة)، بربِّكم كيف تجهِّز الأحزاب الوطنيَّة الرافضة لحمل السلاح والتحالف مع المعتدين نفسَها للانتخابات وهي مُكبَّلة لا تستطيع حراكًا ولا تملك أن تخاطب الجماهير لإقناعها ببرامجها الانتخابيَّة؟!

بربِّكم هل توجد مقارنة بين الحرِّية المتاحة للحزب الحاكم لمخاطبة الجماهير وتلك المتاحة للأحزاب الأخرى التي ارتضت الديمقراطيَّة وسيلة للتداول السلمي للسلطة؟! هل يستطيع منبر السلام العادل أن يخاطب الجماهير التي خاطبها نافع قبل أيام قليلة من خلال موقعه كمساعد لرئيس الجمهوريَّة وليس كنائب لرئيس المؤتمر الوطني حيث تحدَّث في حضور كبار رجالات الدولة محتمياً بموقعه الرسمي التنفيذي الذي لا يحرمه من الساحات العامَّة التي تُحرم على الأحزاب السياسيَّة؟!
في تلك الساحات العامَّة المحظورة على الأحزاب السياسيَّة يتحدَّث تنفيذيو المؤتمر الوطني ويهاجمون الأحزاب ويصبُّون جام غضبهم على معارضيهم أمَّا الأحزاب السياسيَّة فلا يُتاح لها غير مقارها ودُورها فقط فهل تملك الأحزاب دُوراً حتى في عواصم الولايات وكم تسع دار الحزب من الجماهير؟!

لماذا لا تملك أو تستأجر الأحزاب دُوراً على غرار المؤتمر الوطني؟ هل توجد مقارنة بين أوضاعها الماليَّة وأوضاع المؤتمر الوطني الذي إلى جانب ثروته الهائلة وملياراته يُفيد من السلطة وبريقها وآلياتها ومركباتها ودُورها وساحاتها ودستورها؟!
يقول الرئيس مخاطباً شورى الحزب الحاكم إن الدولة تسعى إلى إشراك جميع الأحزاب في الدستور القادم للبلاد حتى تكون وثيقة دائمة للبلاد وجدَّد نائبُه الحاج آدم الدعوة للأحزاب السياسيَّة والحركات المسلَّحة إلى المشاركة في صناعة الدستور.
الحاج آدم يعلم وهو الذي يرأس اللجنة السياسيَّة لصناعة الدستور التي تضم عدداً من رؤساء الأحزاب وأشارك في عضويتها عن منبر السلام العادل أقول يعلم أنَّ هناك لجنة منبثقة عن لجنته يرأسها المشير سوار الدهب تتلخَّص مهمَّتها في إقناع الأحزاب السياسيَّة التي رفضت دعوة الرئيس للمشاركة في صناعة ووضع الدستور.. إقناعها بالمشاركة وقد التقت هذه اللجنة بعددٍ من زعماء الأحزاب بمن فيهم السيد الصادق المهدي ود. الترابي وكان أهم ما أجمعت عليه تلك الأحزاب تهيئة المناخ وإطلاق حرِّيَّة التعبير وأقولها بصدق إنَّه ما من أحد من لجنة سوار الدهب التي تقوم بدور الوسيط بين الحكومة والأحزاب المعارضة الرافضة للمشاركة في وضع الدستور لم يكن منحازًا لشعار تهيئة المناخ وإطلاق الحُرِّيات باعتباره أهم مطلوبات التحوُّل الديمقراطي وقيام انتخابات نزيهة يُتاح فيها للأحزاب دعوة الجماهير للانحياز إليها أمَّا أسلوب المؤتمر الوطني في السيطرة والهيمنة والاستحواذ فهو مجرَّد تكريس للشمولية التي اعتمدتها الإنقاذ يوم مولدها.
إن بديل رفض الحرِّيات وتهيئة المناخ والاقتناع الفعلي بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة هو اللجوء للعنف واستخدام السلاح وأظنُّ أنَّه قد آن الأوان للإنقاذ أن تقتنع بعد ما يقرب من ربع قرن من الحكم أنه ما من خيار أمامها غير التداول السلمي للسلطة من خلال ممارسة ديمقراطيَّة حقيقيَّة تحتكم إلى الدستور وأعجب أن تسعى الإنقاذ إلى صياغة دستور جديد وهي التي تخرق الدستور الحالي الذي ينصُّ على الحرِّيات والتداول السلمي للسلطة.

إن الإنقاذ في تعاملها مع الأحزاب السياسيَّة تُطبِّق بيت الشعر النابض بالسخرية:-
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فالأحزاب مكتوفة اليدين والقدمين واللسان وبالرغم مما تفعله بها الإنقاذ فإنها تحذِّرها من مجرد محاولة تحريك لسانها تعبيراً عن الظلم الذي تعاني منه!!
متى تُفيق الإنقاذ ومتى يُفيق المؤتمر الوطني ويثوب إلى رُشده ويعلم أنَّه ما من سبيل لهذه البلاد لكي تنهض وتستدرك ما فاتها وتنطلق نحو المستقبل إلا بانتهاج الديمقراطيَّة كأهم آليَّة من آليَّات الشُّورى والحكم الراشد؟![/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version