حول محاضرة فتحي الضو في تورنتو

ألقى الكاتب الصحفي المعروف فتحي الضو محاضرة قيمة في تورنتو نظمتها كل من منظمتي جبال النوبه وصمود ، حضرها عدد كبير من المغتربين السودانيين المهمومين بقضايا وطنهم ، وفي تقديري الخاص أنهم يمثلون جموع السودانيين الذين حالت ظروفهم دون الحضور والإنسان الذكي هو الذي يبحث عن مبررات عدم الحضور وليس كيل الإتهامات بالخيانة والحزبية وغيرها ، فعلى مدى ساعتين وربما أكثر تحدث فتحي حديث العاقل العارف بمجريات الأمور ، أستطيع أن أقول أنه تحدث بموضوعية شديدة في وقت حرج للغاية ينذر بانفجار وشيك ستكون نتائجه وخيمة على السودان والسودانيين ، وإذا وضعنا ما قاله فتحي جانبا وركزنا على ما قاله من حضر الندوة لتبين لنا النقاط الهامة التي طرحت في الندوة ، فقد تابعت باهتمام شديد كل ما قيل ، وأكاد أوجزه في نقطة واحدة : الموضوعية في الطرح وعدم التعصب وأعتقد أن هذا ما نحتاج إليه اليوم : حرية الرأي والتعبير ، تبادل الآراء دون حجر أو تضييق ، لأننا باختصار شديد لن نحرر بلدنا أو أنفسنا بالأماني العذبة والشعارات الطنانة وإنما بالعمل الدؤوب المنطقي والطرح الهاديء بعيدا عن التعصب الأعمى الذي لا يفيد .
طبعا بالإمكان تقديم مختصر لما قاله فتحي وأيضا لما قاله عدد كبير من المعقبين ، وفي هذا ستكون تغطية صحفية ممجوجة ، ولكن اهم من ذلك هو ما وضح من آراء نيرة تستحق التوقف عندها إذا كنا حقا نبحث عن حلول لمشاكلنا الكثيرة ، ولذا سأعرض أهم ما خرجت به من المحاضرة دون الخوض في التفاصيل العاطفية التي يلوكها البعض ونطالعها في المواقع الإلكترونية وبعض الصحف الورقية ، والمغالطات التي تزدحم بها دهاليز السياسة نظرا لغياب ثقافة الوعي ، وقطعا سأتجاهل بعض ما قيل لعدم أهميته .
هناك ثمة إتفاق برحيل النظام لفشله في حل مشاكل السودان بعد نحو 24 عاما على إنقلاب 30 يونيو 1989 ، ولن يكون مجديا تتبع كل ما حدث خلال الأربعة وعشرين عاما التي مضت ، وغالبا ما هي معروفة للجميع ، لأن الإنسان السوداني بغض النظر عن كل شيء متابع بالتفصيل الممل كل ما حدث سواء من الحاكمين أو المعارضين .
القضية الآن باتت واضحة للجميع سواء قالها البعض علنا وجهرا أو قالها البعض مع بعض الحذر ، إنه البحث عن مخرج ، فإما الإحتكام للعنف أو السلم وما بينهما هو الطريق لسودان مستقر تصان فيه كل الحقوق الواجب رعايتها لكل السودانيين دون تفرقة .

سأذهب إلى نقطة أبعد قليلا : الفئة الغالبة الآن هي التي تريد التغيير وتسعى إليه بإمكانياتها المتاحة ، فالذي إمكانياته المتوفرة هي السلاح قطعا سيسعى للتغيير بالسلاح ، والذي إمكانياته المتاحة الحوار سيسعى للتغيير عبر وسائل معروفة عالميا لا تراق فيها الدماء ، خاصة دماء الأبرياء .
الجبهة الثورية ومن معها تسعى للتغيير بالسلاح ، وفي المقابل هناك من يسعى للتغيير على غرار ثورتي اكتوبر 64 وابريل 85 ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : ما هو موقف من يحكم ؟ قطعا ستكون هناك ردة فعل ، إذن كيف يمكن التعامل مع كل هذه الأسئلة الصعبة ، وهذا ” بالظبط ” ما حاولت المحاضرة الإجابة عليه وهو أيضا ما يحاول كل سوداني الإجابة عليه ، ومنذ عام 1989 ونحن نحاول الإجابة على السؤال الصعب : كيف يكون التغيير
كيف يكون الطريق إلى سودان تصان فيه حقوق كل السودانيين ؟ هناك من يدعو إلى نظام تسود فيه العدالة والسلام والديقراطية وفي ذات الوقت المحاسبة ، وأظن أن هذا أحد الأسئلة الصعبة رغم سهولته ومشروعيته .

من الصعوبة بمكان إفامة العدالة ومن ثم التحول الديمقراطي إن لم تكن هناك محاسبة ، ببساطة شديدة المحاسبة هي المدخل الرئيسي لاقامة نظام عادل وديمقراطي وإلا سيتكرر الخطأ الذي أرتكب بعد إنتفاضة مارس أبريل 1985 ، وحسب قراءتي الهادئة للموضوع وحسب التلخيص الموضوعي للمحاضرة أن النظام الحاكم مع العنف وأنه رفض ويرفض بتاتا كل أشكال المفاوضات .
لا المحاضر ولا المحاضرة يملكان مفتاحا سحريا للحل ، وطبيعي أنه لا أحد يملك مفتاحا سريا للحل ، ولكن على الأقل هناك ثمة موجهات عامة ضرورية جدا في بحثنا عن الحل ، ومن أهم الموجهات معرفة المشكلة في إطارها الموضوعي ، إنها باختصار أيضا موضوع : الديمقراطية وهي ليست كلمة عاطفية للمتاجرة ، إنها مفتاح الحل ، وهذا ما أكدته المحاضرة وما أكده المعقبون عليها .
عندما يلتقي السودانيون في محاضرة مثل هذه فهم بلا شك يطرحون أسئلة بحثا عن إجابة ، ولذا نحن ما زلنا في مرحلة الأسئلة الصعبة ، وأمامنا تجارب غيرنا بكل نضوجها وعنفوانها إلا أن الحاضر والمستقبل أيضا محفوف بالمخاطر ، ليس في السودان فحسب بل ربما في معظم أنحاء العالم ، ولا أحد يستطيع أن يمنع حق الكلام والمناقشة ، وهناك أيضا ثمة مناكفة وربما مغالطة ، وفي كل الأحوال لا بد من الإصغاء ومحاولة الإقناع في هذه الأوضاع السيئة والإختلافات المزرية حتى على أبسط الحقائق ، ومن هنا تأتي صعوبة الحديث عن مآلات الحاضر والمستقبل في السودان مع وجود العديد من الأطروحات التي يعتقد أصحابها أنها مفتاح الحل ، وربما تكون أو لا تكون .
. اهم ما طرحته المحاضرة وجرى نقاش مستفيض حوله هو موضوع الدستور والشرعية ، وبدون حسم هذه المسألة سيكون الحديث والعراك ما هو إلا قبض لهواء الشباك ، فما من احد يمكن أن يكابر بأن الشعب يعيش وضعا مأساويا ، ولذا توصل المحاضر والحضور إلى أهمية الدستور ، ونظام حكم إنتقالي ، وأنا أضيف دستور يراعي ويستوعب التنوع والتعدد الذي أشار إليه فتحي أكثر من مرة ، وهو أيضا ما أكد عليه المعقبون سواء من خلال الأسئلة أو طرح الرأي ، وهذا هو مربط الفرس كما يقولون شئنا أم أبينا ، هذا بالطبع إذا أردنا تحاشي الحلقة الشريرة بين حكم عسكري شمولي وحكم ديمقراطي .

بقلم : بدرالدين حسن علي

Exit mobile version