د. عبدالماجد عبدالقادر : السودانيين طيبين أم «…»؟!

[JUSTIFY]إذا قال لك المصري أن فلاناً «راقِلْ طيِّب» فهو يعني أن «الزول ده» ساذج وربما تصل سذاجته إلى درجة «العوارة»… مثلاً كنا مجموعة من وفد ليس بالقليل في بلد أجنبي… ومعنا خواجات… وتصدّر أحد السودانيين وحلف «بالتكتلو» أن يدفع حق التاكسي… والحقيقة هو لم يحلف بالتكتلو ولكنه حلف بطلاق الثلاثة أن يدفع كل التكلفة بتاعة «كل» الركاب بما فينا الخواجات الثلاثة وصديقة أحدهم معهم… والخواجات جمعوا من بعضهم ما يخصهم من التكلفة وحاولوا إرجاعه «لزولنا» السوداني ولكنه حلف بالطلاق تاني ألاَّ يستلم ولا «نكلة» يعني ولا «سنت واحد»… والخواجات استغربوا وكانت القضية بتاعة إصرار «الزول» على الدفع مثار نقاش لمدة طويلة استغرقت زمناً طويلاً لم يتوقف إلى أن جلسنا لتناول وجبة الغداء في أحد المطاعم… وبانتهاء الوجبة «تدافع» السودانيون «كلهم» نحو الكاشير… وكل منهم يحلف بالإيمان المغلظ أن يبادر بالدفع… أحدهم «طلَّع جزلانو» وقال «حرّم ما تقولوا حاجة»… وواحد آخر نطَّ على ظهر المجموعة وقذف بالمبلغ أمام «الكاشير» وقال «ورب الكعبة ما حتدفعوا»… وهكذا ظل كل سوداني يحلف و«يجدع القروش» أمام الكاشير إلى أن تكدست أمامه أرتال من الأموال والأوراق النقدية بعملة الخواجات الأجنبية… ولم يفهم الكاشير ماذا يفعل.. فكل واحد منهم يحلف و«يحنِّس» الخواجة بتاع الكاشير أن يقبل نقوده هو… وانتهى الأمر بأن قبل الكاشير نقود أحدهم وأعطاه الفاتورة… ومرة ثانية قام الخواجات «المعاهم المرة» وجمعوا من كل واحد منهم نصيبه ومساهمته وأحضروها للسوداني الذي «هزَّ الكيس ودفع».. ولكنه قال لهم برضو ـ عليّ الطلاق ما حتدفعوا… أفو ـ أفو يا جماعة حرَّم ما تقولوا حاجة .. وكان هذا موضوع آخر ومثار للنقاش مع الخواجات بقية اليوم..

وحدثني أحد الأجانب من دولة شرق آسيوية ويسكن منطقة الدروشاب… وقال لي إنه تعوَّد أن يركب المواصلات مجاناً من الدروشاب وحتى مكان عمله ولمدة ثلاث سنوات مضت… وقال إن أي سوداني يركب مجاوراً له في المقعد يقوم بالدفع نيابة عنه «ويحلف عليه»… وقال إن هذا الركوب المجاني لا يكلفه غير كلمتين تلاتة «بس»، منها أن تسلِّم على السوداني عندما تركب بجواره والثانية أن تؤكد له أنك تسكن في المربوع المجاور لهم وهو سيقوم بكل اللازم من دفع «حق المواصلات» وحق الشاي وقد يدفع لك حق الفطور أو الغداء… وربما «يعزمك معاهو» إلى منزلهم فقط لأنك «غريب وأجنبي ومسكين»… والسودانيون ـ طبعاً بدون جنوبيين ـ لديهم تقدير خاص للأجانب وخدمتهم واحترامهم بكل ممنونية.

وقد يقودنا هذا «الاحترام» إلى الورطة التي وقع فيها سودانيان استضافهما التلفزيون الأسبوع الماضي وعلى الرغم من سنين الاغتراب التي قضياها في دول الخليج إلاّ أنهم مثلهم مثل أي سوداني كانوا «طيبين» جداً وأكثر مما يجب. وفي المطار عند مغادرتهم جاءهم «واحد» وأعطاهم كيسين ولا يعرفان هذا الواحد ولم يعرفا ما بداخل الكيسين وطلب منهما توصيل الأكياس إلى شخصين بالمطار الخليجي. والرجلان أخذا الأكياس بكل «الطيبة» وهما لا يعرفان ما بداخلها… وهناك في مطار الوصول تم القبض عليهما لأن الكيسين بهما مخدرات… وتم اعتقالهما لعامين انتظاراً للمحاكمة وصدر الحكم عليهما بالإعدام شنقاً أو بالسيف تعذيراً. ولولا شطارة واجتهاد محامية سودانية وتقديرات الله التي أنقذتهم في آخر اللحظات لقتل الرجلان بسبب جريمة ارتكباها بمنتهى الشهامة والنبل. وأخيراً نقول… يا جماعة نحن الآن في القرن الحادي والعشرين… يعني في الألفية الثالثة… يعني يا جماعة العالم تغير جداً والناس كلهم تغيروا يعني يا جماعة لا بد من الحذر ولا بد من اليقظة و«سيبونا» من حكاية الطيبة والسذاجة التي أوردتنا المهالك… ونذكر بأن أسوأ ممارسات الطيبة والسذاجة تتمثل في طريقة تعاملنا مع الأجانب ومع الجنوبيين من بقايا الحركة الشعبية الذين ما زلنا نعاملهم على اعتبار أنهم كانوا سودانيين خلال الستين عاماً الماضية.. بينما يمثلون في حقيقة الأمر خلايا نائمة وأخرى صاحية..
كسرة مضت من إنذار المائة يوم «لتسخين الخرطوم» بتاعة الجبهة الثورية والأحزاب «الماوطنية» والحركات المتمردة وناس عرمان وباقان سبعة وعشرين يوماً والباقي «بس» ثلاثة وسبعين يوماً بما فيها الإجازات ورمضان والعيد… ولم نشاهد أمراً ذي بال يشير إلى نجاح عمليات «التسخين» المذكورة اللهم إذا اعتبرنا أن «الحيطة» التي وقعت على حجاج القضارف كان قد «دفرها» ناس الجبهة الثورية أو أن اللوري الذي انقلب في «شارع التحدي» «عتَّرَتْ» ليهو الجبهة الثورية… طبعاً هذا إضافة إلى الندوات الفاشلة بتاعة ـ حضرت ولم أجدكم ـ والتي ينعق فيها فقط العجزة والمعوقون وأصحاب الحاجات الخاصة والأمراض المزمنة.[/JUSTIFY]

د. عبدالماجد عبدالقادر
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version