من كان بلا خطيئة…

من كان بلا خطيئة…
أذكر جيدا كيف «انقلبت» الدنيا في مصر لأن صحيفة «النبأ» نشرت تقريرا مصورا عن راهب يفترض أنه يعيش زاهدا في عزلة يمارس الجنس مع عدد من النساء، وارتفعت الأصوات مطالبة بإغلاق الصحيفة، ومبلغ علمي هو ان الصحف الصفراء والبمبية والفستقية والفسقية نشرت تقارير مماثلة عن مواطنين مصريين مسلمين ارتكبوا افعالا مماثلة ولم تصدر أوامر بإغلاق تلك الصحف او اعتقال رؤساء تحريرها، وقد يقول قائل ان اولئك أناس «عاديون»، ورغم انني لا أفهم كيف يكون مواطن ما عاديا ومواطن آخر فوق او تحت العادة، فإنني أرد على ذلك بأن صاحب الفضيحة التي نشرتها «النبأ» أيضا عادي، بعد ان تم طرده من سلك الرهبنة، لسوء السيرة والسلوك و(الويرات مع كلش نفرات)، ورغم أنني لم أر قط تلك الصحيفة، وأسال الله ألا تقع عيني حتى على قصاصة منها ملقاة في مزبلة فإنني أتحدث هنا عن مبدأ: إما ان نهش أعراض الناس، ونشر لحمهم على صفحات الجرائد ممنوعان وإما مباحان، والحادث الآن هو الإباحة، فجرائم هتك العرض والشذوذ بكل أشكاله تنشر في معظم الصحف العربية بعد إضافة الكثير من التوابل والمقبلات إليها، وكانت «النبأ» منسجمة مع نهجها عندما كتبت عن فضيحة الراهب السابق، كما ان الكنيسة القبطية في مصر تقر بأن الرجل ارتكب تلك الفواحش.. طيب:
إلام الخلف بينكمو إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما؟
هل يعتقد بعض مسيحيي مصر انهم منزهون ومعصومون؟ إذا كانوا كذلك فليرمونا بالأحجار.. يا جماعة: الجريمة والجنوح والخروج عن الآداب العامة، لا جنسية لها ولا ملة، فكل ابن آدم خطاء، وهل خرج مسلمو مصر في مظاهرات غاضبة عندما نشرت الجرائد ان مؤذنا ارتكب الفاحشة داخل مسجد؟ هل قالوا ان ذلك وصم للإسلام بما ليس فيه؟ لا هذي ولا تلك، فقط اكتفوا بأن قالوا انه ضال وسلموه للعدالة.
بالطبع لا يفوت علي ان أقباط مصر حساسون تجاه وضعهم داخل المجتمع المصري، بعد ان تعالت أصوات قبطية تطالب بمجاراة أقلية مسلمة ذات غلواء وشطط، واحسب انني أعرف المجتمع المصري بدرجة تسمح لي بالقول إنه أقل المجتمعات في العالم العربي ــ وربما في العالم كله ــ ممارسة لأي شكل من أشكال التمييز والاستعلاء على الآخرين، صحيح انك قد تجد مصريا يقول لك ان قدماء المصريين هم الذين اخترعوا الانترنت وان الأهرامات الثلاثة، لو دققت فيها النظر ترمز لـ: دبليو دبليو دبليو WWW وان آرمسترونج الذي كان اول من هبط على القمر اسمه الاصلي أحمُستراع، ولكنني لم التق قط مصريا يستخف بآدمي بسبب لونه او دينه او جنسيته، وإذا فعل ذلك فلأنه «حبكت معاه»، وبنفس الروح فانه لا يتردد في التهكم على نفسه، ودعكم من مصر التي لا ينكر حتى مكابر ان جذور الأقباط تمتد فيها الى آلاف السنين، فعندنا في شمال السودان المسلم كله أقلية قبطية هاجرت من مصر، وأصبحت جزءا من نسيج المجتمع السوداني، لها كل حقوق المواطنة من دون منٍّ او أذى فكيف يكون الحال في مصر التي هي أصلا هبة التسامح قبل ان تكون هبة النيل
جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]
Exit mobile version