رذاذ المطر فارقنا في الخرطوم، وتركنا لمشاهدة بيوت الطين في نهر النيل المظلومة في حظها من التنمية، والناس هناك يسكنون حول ضفاف النيل في مساحة صغيرة، ومقصدنا إلى (أبو حمد)- عاصمة الذهب- التي تحولت إلى مدينة أخرى بعد اكتشاف المعدن النفيس.. سبحان الله مغير الأحوال.. عندما تنصت لمن حولك فإن اللغة الاقتصادية التي تسمعها تتجاوز المئات من الجنيه إلى الآلاف منه، وتنزوي الأرقام الصغيرة وترتفع الأسعار.. هل هو الجشع أم التغيير؟
تركنا لأجسادنا المرهقة أن ترتاح في فندق (المسدار) أحدث فنادق المدينة وكان في سالف الأيام من العيب أن ينزل الضيف القادم في (اللكوندة).. حتى المسميات تغيرت وتمددت مدينة (أبو حمد) وتركت ضفاف النيل إلى الصحراء ترقد وسط الحجارة الذهبية، وتنتظر المعدنين الذين انتشروا مثل الحجاج يطوفون في الوديان صباح مساء.
السرايا القديمة لمدينة (أبو حمد) تحكي عن عظمة المدينة وتاريخها التليد، وخطوط السكة الحديد تشكو الإهمال، وفي جولة مع المهندس “عبد الرحيم عبد الله” من مكتب المساحة بالمدينة تعرفنا على معالم المدينة.
عند المدخل في يوم (الأحد) الماضي، جاء وزير الموارد المائية والكهرباء “أسامة عبد الله” إلى حجر الأساس للخط الناقل لكهرباء عطبرة (أبو حمد) يتفقد البرج الأول لإطلاق إشارة البدء في المشروع الذي تموله دولة قطر بمبلغ (208) ملايين دولار وينتهي العمل فيه بعد عامين. وفي الاحتفال قال “أسامة”: (هذا يوم من أيام الحمد والثناء لله رب العالمين الذي وفقنا في هذا المشروع المهم، حيث نشهد اليوم ضربة البداية لكهرباء عطبرة أبو حمد الذي ظل حلماً طويلاً، ولتحقيق وعد الرئيس عندما جاء وفدكم إلى الخرطوم يطلب الكهرباء، وهذا المشروع له أهمية كبرى من الناحية الزراعية والصناعية والخدمية بالإضافة إلى ما تتمتع به هذه المنطقة من إمكانات كبيرة في مجال التعدين وصناعة الأسمنت والمشروعات الزراعية اللازمة، وأتوقع أن تشهد هذه المنطقة نهضة تنموية كبيرة بعد وصول الكهرباء، ويأتي هذا المشروع ضمن خطة الوزارة التي تهدف إلى مد الكهرباء إلى كل ولايات السودان في الشبكة القومية، وكنا قد شهدنا وصول الكهرباء إلى مدينة الأبيض في شمال كردفان، التي انطلق العمل منها إلى الفولة وبابنوسة، ويعدّ بداية العمل للخط الناقل إلى ولايات دارفور والمتوقع قريباً إن شاء الله).
وأضاف الوزير: (تواصل الوزارة في خطتها لربط كل السودان عبر الشبكة القومية وإيصال الكهرباء لكل ولايات السودان، وذلك لأن الكهرباء اليوم أصبحت شريان الحياة وعماد النهضة الحديثة، وهذا المشروع الذي يبلغ طوله (310) كيلومترات و(220) كيلوفولت بتمويل من حكومة قطر الشقيقة، ويقوم المقاول الصيني بالتنفيذ، والاستشاري الألماني وينتهي تنفيذ هذا المشروع في (24) شهراً).
وزاد “أسامة عبد الله”: (نتمنى أن ينطلق العمل في مشروعات السدود الأخرى “السبلوقة” و”دقش” و”كجبار” و”دال” و”مقرات” و”الشريك”، وذلك في القريب العاجل).
{ قصة السدود في نهر النيل
أوضح تقرير صادر عن وحدة تنفيذ السدود بوزارة الكهرباء والسدود، أن الدراسات والتصاميم اكتملت بسد (الشريك) لإنتاج (420) ميقاواط بتكلفة (925) مليون دولار، أما سد (دال) بالشلال الثاني شمال مدينة دنقلا فمتوقع توليد طاقة كهربائية قدرها (648) ميقاواط، وذلك بهدف إحياء المنطقة صناعياً وتوفير مياه الري، وفيما يتعلق بمشروع سد (مقرات) فهو يهدف لإنتاج طاقة كهربائية مقدارها (312) ميقاواط بتكلفة تقدر بـ(523.6) مليون يورو وذلك لتنمية ولاية نهر النيل وزيادة حصة البلاد من الطاقة النظيفة.. ومشروع سد (السبلوقة) الذي يقع شمال الخرطوم على الشلال السادس يهدف لإنتاج طاقة مقدارها (205) ميقاواط بتكلفة تقدر بـ(463.7) مليون يورو. أما مشروع سد (دقش) الذي يقع أعلى سد (مروي) فيهدف لإنتاج طاقة كهربائية مقدراها (312) ميقاواط لتنمية الولاية وزيادة حصة البلاد من الطاقة، بالإشارة إلى أن التكلفة بكل من مشاريع سد (مقرات) و(السبلوقة) و(دقش) لا تحتوي على تكلفة إعادة التوطين.
{ خطاب الرئيس
قال “البشير”: (احتفالنا هو حمد لله سبحانه وتعالى، وهو شكر لله سبحانه وتعالى أن الحلم أصبح حقيقة بربط المنطقة بالشبكة القومية وإيصال الكهرباء، ومن الأحق منكم بالكهرباء في الشبكة القومية، وأنتم أصحاب فضل وحق وقضية، وجئنا نؤكد لكم أن حقكم ستأخذونه بالكامل). وأضاف: (في عهد الإنقاذ تحققت أحلام كثيرة، كلنا نذكر لمن الناس يقوموا من هنا بالعربات كانوا يعانوا لكي يصلوا عطبرة، كم من الناس الضاعوا في الصحراء وكم من الناس ماتوا، وهذه كلها معاناة.. الآن والحمد لله بصات سياحية مكندشة، لا غبار ولا دقداق ولا رهق ولا تعب).
وأطلق الرئيس على والي نهر النيل “الهادي عبد الله” لقب (المك) ودعاه إلى أن تحرز الولاية المرتبة الأولى في مجالات التنمية.
وأشار الرئيس إلى دعم دولة قطر للسودان في السلام والاستقرار والتنمية، وقال: (فضل دولة قطر علينا كبير وكثير ما بنقدر نجازيهم، وربنا يجعلها في حسنات الأمير الشيخ “حمد بن خليفة” وحكومته لأن أي بيت نور وأي طريق نور وأي مشروع دور، هذا في مشروع حسناته، والوقفة التي وقفتها معنا قطر أكثر مما كنا نتمنى وأكثر مما كنا نتوقع، ووجدناهم في كل مشروع ويكفي وقفتهم في دارفور ودعمهم لها، تحملوا مفاوضات دارفور لسنين عديدة لم يملوا ولم يكلوا، وسميت وزير الدولة بالخارجية القطرية أحمد بن عبد الله آل محمود بعبد الصبور لأنه صبر علينا سنوات وجعل قضايا السودان هي قضايا قطر).
ووعد الرئيس بحفظ حقوق المواطنين، وتمنى أن لا يشكو أحدهم يوم القيامة “البشير” وحكومته، متعهداً بتحمل الأمانة بمسؤولية، وقال: (مافي زول حينظلم وأي زول لو ما أخذ أكثر من حقه بعد داك يلومنا واشكونا إلى الله، ونحنا ما خايفين من زول ولا طمعانين في صندوق انتخابات، نحن والله العمل ده كله بنعملوا لله سبحانه وتعالى وأداء للأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال أن تحملها، ونحن حملناها، ونتمنى يوم القيامة مافي زول يشكو أمام الله سبحانه وتعالى عمر البشير وحكومته.. عايزين الناس تقول: والله الناس ديل ما قصروا وأدونا حقنا وكل شيء تمام ونحن معاكم برضو تمام).
من جانبه، قال المدير العام للشركة السودانية لنقل الكهرباء المهندس “جعفر علي البشير” إن المشروع يهدف إلى توفير كهرباء مستقرة ومستمرة للمناطق الصناعية والزراعية والتعدينية، وتوصيل خدمات الكهرباء للمشروع الزراعي لشركة (حصاد) القطرية، وتوفير البنيات الأساسية للخارطة الاستثمارية بالولاية.
صحيفة المجهر السياسي
طلال إسماعيل