افتح البلف يا عوض!!

خيرا فعلت الحكومة بقبولها مقترح الوساطة الأفريقية لمعالجة أزمة النفط.. المواجهة مع الجنوب خيار فرضته طريقة جوبا في التعامل مع الخرطوم، ولكنه ليس ما نتمناه للعلاقة بين الطرفين.

اللهجة المعتدلة للفريق سلفا كير في التعاطي مع القرار دللت على إدراكه لحجم ما اقترفه الجنوب بحق الاتفاقيات مع الخرطوم، وكان واضحاً أن الرجل يتوسل بدبلوماسية محسوبة حتى يتراجع الرئيس عمر البشير عن قرار قفل أنبوب النفط.

إصرار حكومة الجنوب على إيفاد نائب سلفا كير الرجل الثاني في الدولة رياك مشار للخرطوم كان دليلاً إضافياً على اعتراف جوبا بأنّ المشكلة تحتاج جهداً سياسياً ودبلوماسياً ينهي الآثار المترتبة على قرار الرئيس عمر البشير.

دولة الجنوب أدارت الأزمة بوعي يشير إلى أنها متورطة في كل الاتهامات التي دفع بها السودان، وانها (مقبوضة هذه المرة بالثابتة)، وان أمامها الاعتذار أو معالجة الملف بهدوء لا يفضحها في الأوساط الدولية.

تحرك امبيكي كان مناسباً من حيث التوقيت.. لم يكن من الحكمة أن توصد الخرطوم الباب أمام مبادرته الساعية لإنقاذ اتفاقيات التعاون مع الجنوب في أعقاب قرار الرئيس عمر البشير الذي من الواضح أنه صدر نتيجة لحيثيات وأدلة موثقة.

ليس هنالك تفصيل واضح لمبادرة امبيكي، لكن الراجح أن الخرطوم أدخلت عليها تعديلات أكّدت أنّ موقفها كان الأقوى في أزمة النفط.. السودان حصد نقاطاً إضافية وهو يمنح الوساطة فرصة التدخل ويحتفظ بحقه في الجرح والتعديل.

من المهم أن يكون الحديث عن قفل أنبوب النفط نهائياً بحكم الترتيبات التي وافق عليها الجانبان.. تجربة الوساطة وموقف جوبا في التعامل مع قرارات الرئيس يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن (كرت النفط) يمكن أن يؤثر في مسار التفاوض بين الخرطوم وجوبا، عكس ما كانت تروِّج له بعض الدوائر في الجنوب.

لم يخسر السودان شيئاً من القرار.. فالسياسة هي فن الممكن، واستخدام أقصى عوامل الضغط في سبيل الحصول على المكاسب من الطرف الآخر، تدخل الوساطة فتح عينها على كثيرٍ مما اقترفته جوبا بحق الخرطوم.

لو لم تكن اتهامات الحكومة لجوبا بدعم وإيواء التمرد مرتبطة هذه المرة بملف النفط لما اهتم بها أحدٌ.. ظلت الخرطوم تتحدث كثيراً عن عدم التزام الجنوب باتفاقيات التفاهم في شقها المتعلق بالأمن والحدود دون أن يكترث لها أحدٌ.

أزمة (البلف) استصحبت معها وضع حلول لمشكلات كثيرة تعاني منها اتفاقيات التعاون.. الحكومة أخرجت كل الهواء الساخن ووضعت تجاوزات الجنوب على طاولة الوساطة، الأمر الذي عجل بمبادرة امبيكي لتجاوز الخلافات بين الطرفين.

ليس هنالك عداء دائم أو صداقة مستمرة في السياسة، إلى حد كبير نجحت الخرطوم في تحقيق مكاسب عديدة من قرار (قفل البلف).. صحيحٌ هنالك آثار سالبة على سوق الدولار وجوانب أخرى، ولكن هنالك مكاسب مهمة تجعل من الرئيس البشير يوجه د. عوض الجاز وزير النفط هذه المرة لأن (يفتح البلف) بقلب قوي.. (افتح يا عوض).

محمد عبدالقادر -الراي العام

Exit mobile version