الــدور المطلــوب مــن الخرطــوم ..

[JUSTIFY]بعد زيارة وزير الخارجية المصري لإثيوبيا ثم السودان، بدا واضحاً أن أزمة سد الألفيَّة بين القاهرة وأديس أبابا وظلالها التي انعكست على الخرطوم، يمكن أن تتم تسويتُها، بعد أيام وليالٍ حسوماً من التلاسُن والتراشُق الإعلامي وتعالي الأصوات الغاضبة في مصر وردّ الفعل الإثيوبي..

والبيان الذي صدر في أديس عقب اجتماعات وزيري الخارجيَّة المصري والإثيوبي، وتصريحات محمد عمرو كامل وزير الخارجيَّة المصري عقب لقاءائه بعدد من المسؤوليين الإثيوبيين، تنبئ أن هناك تفاهمات وحوارات ستقود حتماً لحوار ونقاش وتشاور بين العواصم الثلاث الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة حول سدّ النهضة..

ولعلَّ أهمّ نقطة يمكن التقاطها من البيان المشترك بين الطرفين المصري والإثيوبي، هي التأكيد من الجانبين أنَّ بناء السد سيراعي الشواغل الخاصَّة بالأمن المائي المصري ومتطلبات التنمية في إثيوبيا واعتباراتها، وتم الاتفاق على اعتماد مرجعيَّة تقرير لجنة الخبراء الدولية، واستمرار التشاور بين الثلاث دول على المستويَين الفني والسياسي لتجاوز مسألة تنفيذ سدّ النهضة وتحقيق مبدأ «تحقيق المكاسب للجميع كأساس للتعاون المستقبلي»

كل شيء ممكن تجاوزه بالتعقل والحكمة والحوار البنّاء والنقاشات الفنيَّة الدقيقة بين الدول الثلاث المستفيدة من النيل الأزرق الرافد الأكثر إمداداً لنهر النيل.. وواضح أيضاً أن نقاشًا عميقاً جرى في أديس أبابا بين الطرفين لتهدئة الخلاف ونقاطه العالقة والانخراط في عمل لجان واجتماعات سقفها وزراء الخارجيَّة والموارد المائيَّة في البلدان الثلاث، تُفضي في النهاية للاتفاق على مبادئ رئيسة لا تتناقض مع قيام السد وفقاً لأغراضه المعلنة ولجم المخاوف حوله..

لكن المهم في هذا كله هو الدَّور الذي ينبغي أن تلعبه الخرطوم، في معالجة الخلافات وسوء الفهم وتسخين الخطوط بين القاهرة وأديس أبابا، لضمان الاستقرار في المنطقة وإشاعة روح التعاون التي سيكسب منها الجميع وسدّ الذرائع أمام أي تدخلات من خارج دول المنطقة، ومحو وكشط أي نزعات للتخوُّفات التي لا تستند إلى قدمين، كما حدث خلال الأيام الفائتة من شدّ وجذب وتلاطمات إعلامية حادّة..

الموقف الطبيعي للسودان هو أن يكون حلقة الوصل التي تربط المنطقة، والملاذ الذي يلجأ إليه الجميع في ساعات المحنة والخلاف، وهذا الموقف له امتداداته في التاريخ والجغرافيا لا ينبغي التفريط فيه، ووسطية الخرطوم تُمكِّنها من نزع فتيل أي أزمة تنشب بين مصر وإثيوبيا والخرطوم مؤهلة بالفعل لهذا الدور الذي لعبته طوال التاريخ الحديث عربيًا وإفريقيًا..

لا يوجد حل إلا بالتفاهم.. خاصَّة في مسألة تختزن قدرًا كبيرًا من التعقيد السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي وتحبل بشكوك ومغالطات فنيَّة تنامت بسبب تغييب أو غياب الخبراء والمختصين في إدارة ملف خطير ومهم مثل ملف المياه، وهذه العوامل بدورها تؤثر في خلايا العصب الوطني لدى كل طرف خاصَّة في دول المنبع والمصب.

فواجب السودان في هذه المرحلة الدقيقة، تدعيم الحوار البنَّاء بين القاهرة وأديس أبابا، والعمل على إنجاح الاجتماعات القادمة وما تمخض عن لجنة الخبراء الدوليين وكبح الغلو في الجانبين ولجم المخاوف التي كانت تُمسك خطام السياسة وأدوات الرأي العام خاصَّة في مصر..

فالخرطوم بالفعل هي واسطة العقد وتعاطي حكومتنا مع الخلافات حول بناء سد النهضة كان معقولاً ومقبولاً إلى حدٍّ ما، لكن جاءت لحظة أن نكون أكثر فاعليَّة في تقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا، ورتق فتوق الخلافات بينهما وشحذ إرادة التعاون الخلاقة لبلوغ المكاسب والمرام بين دول وادي النيل الشرقي..

من مصلحة شعوب هذه المنطقة أن تعيش في رفاه وسلام وطمأنينة وتعاون، ومن واجب القادة والحكومات بذل كل ما يمكن من أجل ألّا تصل الأمور إلى حالة انسداد الأفق…

ونتوقَّع من زيارة الرئيس البشير للقاهرة خلال الأيام القادمة أن تطرح مبادرات تطوي ملفات الخلاف وتقود لتفاهم وتعاون تستفيد منه كل دول المنطقة وتُغلق منافذ الرياح السامَّة..

صحيفة الإنتباهة
الصادق الرزيقي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version