الطيب مصطفى : المذعورون!!

[JUSTIFY]قبل أن يتبدَّد صدى صوت الرئيس البشير وتوجيهه للوزير عوض الجاز بوقف ضخّ نفط الجنوب عبر السُّودان بدأت (اللولوة) والتراجع عن إنفاذه بقصة الستين يوماً ثم بمقترحات أمبيكي التي صدرت تصريحات حكومية تؤكد قبولها بما يعني خنق قرار الرئيس في مهده.
بالطبع لاحظ الناس الحملة الشعواء التي شنَّتها بعضُ الأقلام والفضائيات على القرار باعتباره يؤثر على معايش المواطنين وبادر المعارضون إلى الاستشهاد بارتفاع الدولار حتى قبل أن تتحرَّك مؤشراته إلى أعلى ووالله إن أكثر ما يُزعجني في هذه الحالة السُّودانية.. أعني حالة الرجفة والذُّعر التي باتت ملازمة لكثيرٍ من النُّخب في السُّودان أنَّها لا تستصحب مجمل المعاني والقِيم الوطنيَّة ولا تستفزُّها حالة الاحتقار التي يعاني منها السُّودان من تلقاء دولة الجنوب ولا تُلقي بالاً لكل ما فعلته وتفعله دولة الجنوب بالسُّودان احتلالاً للأرض ودعماً للمتمرِّدين.. لا بل إنَّ ذاكرة تلك النخب ربما نسيت كل ما جرى في أب كرشولا وغيرها من مذابح تداولها الإعلام بشكل كثيف كان كافياً لإيقاظ الغافلين النائمين على العسل عمَّا يدبَّر لهم وللسُّودان من مؤامرة تشيب لهولها الولدان.

لم يسأل المتباكون على الجنيه السُّوداني عمَّا حلَّ وما يمكن أن يحلّ بالجنيه الجنوبي جراء وقف بترول الجنوب الذي يضخّ في خزانة سلفا كير أضعاف ما يضخُّه في خزانة السُّودان بل إنهم نسُوا أنَّ ما يضخُّه البترول في خزانة الجنوب سيُطيل أمد الحرب من خلال شراء الأسلحة للجيش الشعبي ولقطاع الشمال والحركات الدارفوريَّة المتمرِّدة مما يعني أنَّنا سنخسر الكثير في سبيل التصدي لهؤلاء وسنُنفق أضعاف ما كنا سنكسبه من بترول الجنوب في تغذية الحرب دفاعاً عن أرضنا وتصدِّياً للأعداء.
نعم سنخسر أموالاً كانت تأتينا لكن ما يخسرُه الجنوب الذي يحتلُّ الأرض ويتآمر علينا أكبر وهذا ما ظلَّ القرآن الكريم يبصِّر به المؤمنين ليعزِّيهم عن مصابهم في الحرب وآلامهم التي يعانون (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ).

بالله عليكم ما الذي يكسبُه المرتجفون من بثّ ثقافة الهزيمة والاستسلام بدلاً من شحذ العزائم؟!
لو كنا نحن من يحتلُّ أرض الجنوب ويدعم الثوار على سلطة الحركة الشعبيَّة لجاز الحديث عن نقد قرار وقف تدفُّق بترول الجنوب عبر الأراضي السُّودانية أمَّا أن تعترينا هذه الحالة المجنونة من الانكسار فهذا ما لا يجوز لأمَّة عزيزة لطالما تغنَّى شعراؤها ومبدعوها بقِيم النخوة والشجاعة والمروءة والتضحية والفداء والعزَّة ودعاها ربُّها سبحانه وتعالى قبل ذلك إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل القِيم العُليا.
أعجب والله ممن قرأوا تاريخ الحرب العالميَّة الأولى والثانية وكيف فقدت أوربا عشرات الملايين من شبابها وكيف تضوَّرت جوعاً في سبيل حريتها وكرامتها بينما يتباكى المذعورون على فقدان حفنة دولارات كانت أصلاً متوقِّفة منذ أكثر من سنتين وتحديداً منذ أن غادرنا الجنوب إلى أرضه.

لقد انتقَدَنَا أحد هؤلاء المذعورين لأننا كتبنا أنَّ أعضاء مجلس شورى منبر السلام العادل دوَّت أصواتُهم بالتكبير عندما أُعلن عن قرار وقف تصدير بترول الجنوب ولو كان الرجل يصدر بذات مشاعر أولئك الأعضاء لتفهَّم لماذا فرح المنبريُّون بالقرار الذي جاء تعبيراً عن كرامة وحرِّيَّة ونخوة ورجولة الشعب السُّوداني الذي يأبى الضَّيم والانكسار والهزيمة أمام دُويلة صغيرة لم تبلغ الفطام تتحرَّش بنا وتحتل أرضَنا وتطمع في أن نطعمها ونسقيها ونغذِّيها لتستمر في إيذائنا والفتك بنا.
أما أمبيكي وآليتُه الرفيعة وغيرُها من المنظمات الإقليميَّة والدوليَّة فإنها والله لا تفعل أكثر مما فعلت من قبل من تآمر رأيناه في محطات كثيرة ليس أقلها نيفاشا ثم قرارات مجلس السلم والأمن الإفريقي التي استُنسخت في قرار مجلس الأمن رقم «2046» والذي كان من إنتاج أمبيكي.
إلى متى تثق حكومتنا السنية في هذا الرجل الذي يقتات من ظهورنا وكرامتنا وحريتنا؟!
متى تعلم الحكومة وتقتنع أن أمبيكي جزء من آليات مشروع السُّودان الجديد؟![/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version