صباح الخير يا جاري إنت في حالك وأنا في حالي .. الجيرة.. علاقات جرفتها الرياح

[JUSTIFY]بينما عادل يهُّم بالدخول إلى منزله إذ بجاره يبلغه السلام عبر الضغط على «بوري» سيارته أثناء محاذاته، ليرفع عادل كفه رداً لسلام «البوري».. بينما جاره الآخر اكتفى بإيماء رأسه من بعيد كتحية أراد أن يزجيها لجاره، تنهد عادل متأملاً الشارع الذي يقع فيه بيته وكيف أصبحت علاقة الجيران فيما بينهم البعض شبه معدومة وسطحية، متذكراً أيام حلته القديمة وكيف كانت علاقته مع أولهم وسابعهم وطيدةً حتى أصبحوا كالإخوة والبنيان المرصوص بتعاضدهم وتلاحمهم وتعاطفهم وتوادهم وتراحمهم.. فندب حظه على جيران لا يعرف عنهم إلاّ سياراتهم، لتنتشر عبارة «صباح الخير يا جاري إنت في حالك وأنا في حالي»، كما النار في الهشيم فأصبح «الجوار» كلمة ليس لها أي انعكاس على الحياة اليومية، حيث بات الكثير لا يعرف من يسكن بجانبه بعد ان كانت العلاقة بين الجيران قوية ومتينة لسنوات طويلة.
«الصحافة» عمدت للوقوف على العلاقات في زمن تغلبت فيه المادة والتكنولوجيا على التواصل الانساني.. مصطفى عبيد أبدى حسرته على الواقع الاجتماعي الذي صار اليه الناس، ماضياً في القول إلى ان الناس تغيرت كثيراً، وباتت لا تبالي بالسؤال عن الجار. وأشار مصطفى الى ان ذلك الامر ليس وقفا على المناطق الحضرية، فالمعاملة في الريف لم تسلم بالرغم من ان الغالبية في الريف مازالت تتمسك بالتواصل مع الجيران، وربما كان الجار في القرية جزءاً من الاسرة الممتدة، ولكنه ايضاً تأثر بمادية العصر. واستدرك حديثه قائلاً انهم في الريف مازالوا بخير، ولا توجد لديهم اية مشكلات او صعوبات في حياتهم الريفية.
وابتدرت فتحية حديثها قائلة «يا حليل الزمن داك زمن بساطة الأهل وطيبة القرية ، زمن بت الحلة وود الحلة كانوا اخوان، زمن القدح المرفوع بين الجيران والأبواب المفتوحة طول اليوم، زمن كان الجار يلبس من الجيران» صمتت ثم اطلقت زفرة وهزت رأسها قبل ان تقول: «لقد تبدل كل شيء في اخلاقيات الناس فباتوا في حسد لبعضهم بعضاً، ويتحامل بعضهم على الآخر لأتفه الاسباب حتى وصل الأمر الى انقطاع السلام او المشاركة في الافراح وغيرها والمساعدة والتآلف كما كنا في السابق».
وقال هاشم ضو البيت: « هناك كثير من الامثال مثل جارك القريب ولا ود امك البعيد والجار قبل الدار وغيرها من الامثال التي شب عليها اهل السودان مازالت تجري في دمائهم، واذا كان هنالك فتور في العلاقات بين الجيران فهذا لا يعني انعدامها»، مضيفاً انه عندما يحتاج للجار يجده سواء في السراء او الضراء، مشيرا إلى أن العلاقة مع الجار في حالة بيات وسببها مشاغل الحياة. وخلص هاشم الى ضرورة ترتيب الاولويات ووضع الجار في قائمة الاولويات.
الحاجة عواطف لم تخفِ تبرمها على الواقع الجديد وقالت: «حليل زمن اديني وهاك وكيف اصبحتو وكيف امسيتو ؟» واضافت ان المعنى الحقيقي الذي كان سائداً للجيرة قد غاب هذه الايام كما غاب الاحترام والنوايا الصافية، اضافة الى الطمأنينة في التعامل التي كانت من ابجديات التعامل بين الجيران، ولم يعد تفقد أحوال الجيران محل اهتمام احد، كما غابت المشاركات الاجتماعية في مناسبات الجيران، وفي السابق كان منزل الجار بمثابة المضيفة، واشارت الحاجة عواطف الى العادات التي ظلت سائدة بين الجيران قائلة إنها كانت تتبادل المأكولات مع جاراتها، غير انها توقفت عن ارسال الطبق بعد مجيء الجارة الجديدة التي اعادت الطبق مرة اخرى واعتقدت انها قد خبأت لها شيئا بداخله.. واجتاحت علامات الضيق والحسرة وجهه عواطف وهي تقول: «يا حليل زمن الحيشان والبيوت مفتوحة في بعض والفطور والغداء والعشاء مع بعض دون أي تكلفة بين الناس.. تفطر هنا وتتغدى هناك وتتعشى عند ناس فلان، ويا سلام علي زمن عبارات يا خادم الله عليك الله ديني طايوقة للصاج.. ويا الحرم تعالي أفطري عندنا ملاح ورق بايت وأنا عملت لي عصيده حارة لو عندكم شطه وليمونة جيبيها معاك، أيام كانت جميلة وحلوة، ولكن ولت كما ولي الكرم والحنية والتكاتف والحب بين الجيران، والآن الجار لو مريض وراقد في بيته أسابيع الناس ما تعرف الحاصل ليهو شنو؟».
[/JUSTIFY]

صحيفة الصحافة

Exit mobile version