أولويات أوباما : في أفريقيا .. ( مجزرة الكنغو) أم (أزمة دارفور)؟!

بعد ماجرى في إقليم دارفور، تتجه أنظار العالم هذه الأيام نحو مأساة أفريقية جديدة، حيث تشهد جمهورية الكونغو الديموقراطية أفظع حالات الإنهيار الأمني والإنساني في السنوات الأخيرة، كما تقول تقارير حديثة لمنظمات دولية إن عدد القتلى في مجازر الكنغو تماثل حجم وفيات القتال في دارفور عدة مرات.
وفي سياق إهتمام المجتمع الدولي المتعاظم بقضايا إنتهاكات حقوق الانسان، فإن الكنغو باتت الآن تتصدر إهتمامات القوى الدولية، للدرجة التي جعلت البعض يعبر عن شفقته من تراجع قضايا اخرى من واجهة الاحداث مثل قضية دارفور، لكن آخرين يعتقدون ان ما يجري في الكنغو يستحق لفت الانظار، خاصة بعد تراجع العنف في اقليم دارفور بشكل كبير على حد قول مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية جون هولمز الذي اشار الى تناقص اعمال العنف والقتل بشكل واضح، لكنه اعرب عن قلق المنظمة الدولية مما اسماه»تسييس النازحين» وانتشار الاسلحة داخل معسكرات النازحين، ووصف الوضع الصحي في بعض مناطق الجنوب بأسوأ من دارفور.
ومع هدوء الحوال الامنية نسبيا، فإن إرهاصات إقتراب موعد إجراء تسوية سياسية للازمة بين الاطراف المتنازعة بوساطة قطرية، مسنودة بدعم دولي، قد تبقي قضية دارفور في مرتبة ثانية بعد الاوضاع في الكنغو.
ومن المؤكد ان المجتمع الدولي لن يدير ظهره لما يجري في الكنغو، خاصة الولايات المتحدة الامريكية، ولن تعاد الاخطاء السابقة التي ارتكبت في بداية التعامل مع ازمة دارفور، عندما أبدى المجتمع الدولي بقيادة الولاية المتحدة حماسا كبيرا من اجل التوصل الى سلام بين شمال وجنوب السودان، وتجاهل قضية دارفور التي كانت شرارتها قد أشعلت بالفعل لكنها لم تنفجر في وجه العالم الا بعد فترة قصيرة من توقيع إتفاق نيفاشا للسلام.
بيد ان كثيراً من المراقبين يعتقدون في تراخي الولايات المتحدة الامريكية في التعامل مع قضية دارفور، يعود في الاساس لخطأ سياسات الرئيس – الذي سيغادر منصبه قريبا- جورج بوش، ويرى هؤلاء أن تغييرات عديدة ستحدث في سياسات الإدارة الجديدة إزاء افريقيا، لكن البعض لا يرى في حلول إدارة جديدة، تغييرا في الاستراتيجيات الامريكية المعدة سلفا او التي قطع فيها شوطا كبيرا.
وحسب رؤية المؤيدين لفكرة الاستراتيجيات الامريكية الطويلة الأجل، تتراجع قيمة الرهان بشأن ماهي الازمة التي ستتصدر اولويات اوباما، أهي محرقة الكنغو أم أزمة دارفور؟
يقول تقرير نشرته صحيفة النيوزويك العربية للمحرر رود نوردلاند، إنه غالبا ما تحدث باراك أوباما بحماسة عن مسألة دارفور خلال حملته الانتخابية، لكن المحرقة الأفريقية التي سيواجهها أولا هي المذبحة الجارية في جمهورية الكونغو الديموقراطية. لقد قتل أكثر من خمسة ملايين شخص في هذا النزاع منذ عام 1996، وليس هناك دلائل تشير إلى إمكانية حصول تهدئة.
يرى هوارد ولبي، وهو مدير برنامج خاص بإفريقيا في مركز وودرو ولسون للباحثين الدوليين بواشنطن، أن انتخاب باراك أوباما رئيسا قادما للولايات المتحدة سيضفي بعدا جديدا على سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وعلى وجه خاص تجاه إفريقيا، لكنه لن يغير – بشكل مفاجئ- سياسات واشنطن تجاه أفريقيا.
ورغم شبه الاتفاق على ان افريقيا ستحظى باهتمام غير مسبوق للرئيس الجديد باراك اوباما، إلا ان البعض يتوقع أن يدفع طاقم الإدارة الجديد، – الذي يتكون من أعضاء وثيقي الصلة بما يجري في القارة السمراء- بتفعيل نشاط القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم)، وربطها ليس بمسألة دارفور وحدها، وإنما بكافة قضايا النزاع في القارة الافريقية حسب السيناريوهات الأمريكية.
ففي السادس من فبراير الماضي أعلن بيان صادر عن البيت الأبيض أن الرئيس جورج بوش اعتمد توصية وزارة الدفاع بإنشاء قيادة عسكرية أميركية جديدة خاصة بأفريقيا سوف تعرف باسم أفريكوم، وذلك لتنسيق المصالح الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة في جميع أرجاء القارة ويشار إلى أنه حتى صدور هذا القرار كان التدخل العسكري للولايات المتحدة في أفريقيا موزعا على القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا، والقيادة الأميركية الوسطى، والقيادة الأميركية بالمحيط الهادئ.
وجرى في يوليو الماضي تعيين الجنرال وليام وورد لقيادة أفريكوم وهو جنرال من أسود من اصول إفريقية.
وفي نهاية المطاف ستضم القيادة الجديدة (أفريكوم) القارة الأفريقية كلها باستثناء مصر، التي تقع ضمن اختصاصات القيادة الأميركية الوسطى . وقال الأميرال روبرت مولار مدير الفريق الانتقالي المؤقت لقيادة أفريكوم إنه بتشكيل تلك القيادة ستصبح وزارة الدفاع الأميركية قادرة على التنسيق بشكل أفضل بين عملياتها في أفريقيا بالإضافة إلى المساهمة في تنسيق الوكالات الأخرى التابعة للحكومة الأميركية خاصة وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
تقول نشرة واشنطن التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية إن دور أفريكوم، هو مساعدة زعماء أفارقة في مجالي الأمن والاستقرار، وعلى تركيز المساعدات الأميركية على المهمات الإنسانية والشؤون المدنية . وقالت إن مسؤولين رفيعي المستوى في البنتاغون ذكروا أن مقرّ القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا.
غير أن الصورة الوردية التي حاول أن يرسمها المسؤولون الامريكيون، لم تقل كل شئ بشأن حقيقة الدوافع من تشكيل أفريكوم، فقد كشفت مجلة نيوزويك الأمريكية الشهيرة في عددها الذي يصدر في الثامن عشر الوجه الآخر لتشكيل القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا( أفريكوم) وملف الحرب على الإرهاب) فقد كشفت المجلة الأمريكية الذائعة الصيت الصلة بين تشكيل أفريكوم وحرب واشنطن على الإرهاب، وقالت إن أمريكا وسعت بهدوء حربها على الإرهاب نحو الجبهة الأفريقية فقبل عامين، أنشأت الولايات المتحدة الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب، مع تسعة بلدان في وسط أفريقيا وغربها ليس هناك وجود دائم، لكن الأمل هو في توليد الدعم والقضاء على التطرف عبر تشاطر الأسلحة والتكتيكات الأمريكية مع الأنظمة الصديقة وكسب الأصدقاء من خلال نظام إنساني واسع النطاق من إعداد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لاسيما بناء الآبار والتدريب المهني .وقال إن في بلدان مثل تشاد، تدرب القوات الخاصة الأمريكية الشرطة أو حرس الحدود وتسلحهم مستخدمة ما تسميه مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب.
وستدمج في القيادة الأفريقية أفريكوم، البرامج الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية القائمة في رؤية استراتيجية موحدة لأفريقيا، وتحفًّز اهتماما أكبر بالمشاغل الأمريكية المتعلقة بالطاقة وجمع المعلومات الاستخباراتية في القارة التي يتم تجاهلها منذ وقت طويل.
وفي ظل الاتجاه السائد لدى الادارة الامريكية الجديدة، بخصوص التفاعل بشكل أكبر مع قضايا القارة الافريقية، يعتقد إن إعتلاء أوباما سدة الرئاسة ستكون له قوة سياسية رمزية هائلة في جميع أنحاء القارة الإفريقية، لكن ممارسة نفوذ أكبر في علاقات الولايات المتحدة مع دول إفريقيا يتطلب مجهودا إضافيا قد تحققه (أفريكوم) سواء على صعيد وقف مجازر الكنغو أو حل أزمة دارفور.
المصدر :الصحافة

Exit mobile version