فيكفي أنه ظل ومنذ أول رحلة قام بها خارج السودان وهو في العشرينيات من عمره وحتى فترة بقائه كمقيم بعد تقاعده عن العمل، مثار ضجة سياسية وأمنية وبل دبلوماسية.
السطور التالية توضح من هو هذا الشخص الاستثنائي الذي يستحق أن يطلق عليه لقب أكثر الشخصيات السودانية إثارة خلال القرن الماضي.. فمعاً إلى سطور حياته لنعرف معاً هل يستحق أحمد حسن مطر الألقاب التي منحت له أم لا؟!
نشأته بأم درمان:
تقول الوثائق إن ميلاده كان بأم درمان في منطقة حرس الخليفة في عام 1996م عام معركة عطبرة، وهو ما يعضده كونه أحد الملتحقين بمدرسة البوستة والتلغراف في عام 1918م.
درس أحمد حسن مطر الكتاب بالمدينة المنورة، وهي الفترة التي بقي فيها مع والده العامل بمؤسسة سكة حديد الحجاز، فكان منذ تلك المرحلة أحد المبرزين في عالم الأكاديميات التي لم تتعد اللغة العربية والحساب والتربية الإسلامية.درس أحمد حسن مطر الوسطى بالسودان، وفور تخرجه أُلحق بمدرسة البوستة والتلغراف، وهي التي تؤرخ لأولى مغامراته في عالم السفر والترحال نحو مصر التي وصلها في بدايات عام 1921م.
دراساته ومهاراته وعمله:
لم يكتف أحمد حسن مطر بدراسته لفنون البوستة والتلغراف فقط، فقد وجد نفسه مفصولاً من العمل بسبب خطاب أرسله لإحدى الفتيات الإغريقيات.
علَّم نفسه الإيطالية عن طريق بحار إيطالي التقاه في الاسكندرية، ومن ثم تعلم الفرنسية بإحدى المدارس بالقاهرة، ثم انطلق في عالم الترحال والأسفار.
وتركزت مهاراته في حسن اختياره لملابسه، زائداً قدرته على إقناع الكثيرين من الذين يود خلق صلات معهم، بقدراته الفكرية والثقافية، وساعده في ذلك تمكنه من أية لغة يتحدث بها الشخص الذي برفقته.
وعمل أولاً بعد سفره من السودان في باخرة راسية على البحر الأحمر ببورتسودان صبي مطبخ في مهمة تقشير البطاطس، وهي المهنة التي امتهنها مرة أخرى من باريس حتى البرازيل في عام 1924م.
وفي نوفمبر 1924م اغتيل السير لي استاك سردار الجيش المصري وحاكم عام السودان بأحد شوارع القاهرة، فأشارت أصابع الاتهام إليه، فكان أن قضى شهراً كاملاً في السجن في وضع استجواب من المخابرات البريطانية.
وبعد الإفراج عنه تم تخييره بين السفر الى دولة خلاف السودان والبقاء بمصر كذلك. فكان خياره الشخصي الارتحال نحو البرازيل للابتعاد عن جو السياسة وملاحقات البوليس السري.
وفي البرازيل طاب له المقام فعمل أولاً صحافياً متفرغاً ثم مترجماً لجميع من يود قضاء غرض بالبرازيل لأي من الجنسيات الزائرة لها.
مغامراته الأشهر بأوروبا وأمريكا اللاتينية:
ساعده نشاطه الصحافي واللغوي بوصفه مترجماً في معرفة العديد من الشخصيات المؤثرة في عالمي السياسة والدبلوماسية. فكانت لقاءاته معهم تتم بصورة يومية. وهو ما جعلهم يثقون في شخصه بصورة أوصلته لمنصب سفير البرازيل في شيلي في منتصف الثلاثينيات، وهي الفترة التي عرف فيها دهاليز السياسة في منطقة أمريكا اللاتينية. زائداً ثقة أهل الشأن البرازيلي فيه بوصفه سفيراً مقيماً لهم بتشيلي.
زياراته للسودان:
في الفترة من فبراير 1925م وهو تاريخ وصوله للبرازيل وحتى عام 1951م زار أحمد حسن مطر السودان سبع مرات، فكانت زيارته الأولى للسودان بعد نفيه من مصر عام 1949م، وهي الزيارة التي روقب بسببها بالخرطوم في حله وترحاله حتى سببت له ضجراً لا يوصف ومضايقات لأهله بسبب الاستجوابات والمساءلات الأمنية عن علاقتهم به، وسبب زيارته أو بقائه معهم. فعاد أدراجه مغامراً بأوروبا وأمريكا اللاتينية.
وتعتبر زيارته للسودان في أكتوبر 1951م هي الزيارة التي جعلته في مأمن من الملاحقات البوليسية بعد أن شطب اسمه من قائمة الشخصيات المراقبة أمنياً.
علاقاته بالملوك والرؤساء:
لمقدراته اللغوية العالية وحسن هندامه، تمكن من تحليل كل الأحداث التي مر بها العالم في الفترة من العشرينيات حتى نهاية الخمسينيات. وساعدته على ذلك كثافة اطلاعه على الصحف والمجلات زائداً سرعة اندماجه في المجتمعات التي كان يحط رحاله بها.
ففي أثناء فترة بقائه بالسعودية تمكن من توطيد علاقته بالملك عبد العزيز آل سعود، فكان حلقة الوصل بينه وبين عدد من السياسيين في عدد من بلدان الشام والخليج العربي، وفي هذا فقد كان المرحوم أحمد حسن مطر هو أول من كتب للصحافة الأوروبية وتحديداً في فرنسا التي كان يكتب في إحدى صحفها، بشأن تولي الملك عبد العزيز حكم السعودية.
وربطته كذلك علاقة ممتدة مع كل من الشريف حسين شريف مكة، زائداً علاقته بزعيم النازية أدولف هتلر الذي بقي معه بألمانيا فترة ستة أشهر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
عودته للسودان وتأسيسه قسم البروتكول بوزارة الخارجية
بطلب من الرئيس الأزهري عمل أحمد حسن مطر مديراً للبروتكول بوزارة الخارجية بوصفه أول مدير له، فبقي في المنصب حتى تقاعد اختيارياً.
وشهدت الفترة التي قضاها مديراً للبروتكول تأليفه كتاباً عن البروتكول، وتمت الاستعانة به مرجعاً في العمل البروتكولي في عدد من الدول الإفريقية والعربية، ومن أهمها دولة غانا أيام حكم الرئيس نكروما لها.
ومن غرائب حياته أنه حين بقائه بشيلي عمل رئيساً لها بعد فراغ دستوري دام لمدة أسبوع، فتمّ ترشيحه للمنصب فأصبح رئيساً لها لمدة تسعة أيام في سابقة لم تحدث لأي أجنبي بأية دولة من دول العالم خلال القرن الماضي.
وقضى المرحوم الفترة من منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات بداره بالعمارات حتى توفي في ديسمبر 1985م، مجتراً ذكرياته في عالم التسفار والرحلات والمغامرات التي لم يقم بها أي سوداني حتى الآن.
صلاح الدين عبد الحفيظ مالك
صحيفة الانتباهة