متى تنتبه الدولة لإبداع أبنائها بالخارج؟

يقال إن الغربة وجهان لعملة واحدة، الجانب الإيجابي فيها يصب في الإبداع الذي تحمله دواخل المغترب وعندها تصبح الغربة هي المعول الذي يجعله يغرف من مكنونات إبداعه ليزين بها حياته ومن حوله، والوجه الآخر سلبي يمكن أن نطلق عليه صقيع الغربة لما يحمله من غربة ووحدة ووحشة ببعد المغترب عن وطنه وأهله، رغمًا عن دفء الجو وشمس الهجير..
فكم من مغتربة حملت طموحها سعيًا لتطوير ذاتها وشغل وقتها الخاص بما ينفع من خلال جمع بعض من هذه الطموحات لتحصل عليها في غربتها.. ولكنها لا تلبث أن تتلاشى عندما تصطدم بالكثير من العوائق التي حالت دون تحقيقها، والتي منها انشغال الزوج وتضاعف المسؤوليات والأبناء وهي أمور تواجه أي مغتربة، مما يفقدها الكثير من الفرص فيموت الإبداع بصورة بطيئة، وهناك من لا تستسلم للظروف التي تواجهها حتى لا ينهكها الفراغ والملل..
ومن جانب مختلف نجد أن الغربة سكنت العديد من أبناء وطني سواء كانت الزمانية أو المكانية، إلا أن الغربة الروحية التي هي محور حديثي هنا؛ وهي عبارة عن شعور داخلي عميق يدفع المغترب عمومًا إلى تلمّس حالته الداخلية وإدراك غربته داخله لذلك فهو يعيش فيه كأنه غريب، وينتظر اليوم الذي تعود فيه الروح إلى وطنها فيصقل تجربته بالابتكار والتطور رفعًا لشأن نفسه..
ونجد أن الكثير من المبدعين بالخارج أصبح يشار لهم بالبنان في كل المجالات التعليمية والصحية والعلمية الصرفة فأصبحوا وجهًا مشرفًا للسودان، وأعتقد أن فطرة الإبداع لديهم لم تأتِ صدفة أو على حين غرة بل هي متأصلة فيهم ولكنها بحاجة إلى مكان يحتويها ومقومات تخرجها وترفع من شأنها، وهذا يدعوني دومًا للتساؤل: لماذا لا نستفيد من مبدعينا بالخارج كما تفعل كل الدول المتطورة والمتقدمة والتي تصبو دومًا إلى العلو بشأنها بسواعد وإبداع أبنائها من خلال توفير كل المعينات التي تساهم في ذلك دفعًا لعجلة تطورها وتقدمها..
علمت أن شريحة المغتربين لها لجنة كُونت خصيصًا من أجل تكريم المبدعين المغتربين في كل الضروب المعروفة دون فرز، ولعمري أنها خطوة تستحق أن يرفع لهم فيها صوت إشادة، فلاً يعقل أن يتلظوا بمرارة الغربة ويظلمون بدفن إبداعهم وعدم الاهتمام به، فمتى تنتبه الدولة لإبداع أبنائها بالخارج بتقييمهم كما يستحقون والذين أجبرتهم الظروف والحياة على ترك الوطن مجبرين ومكرهين دون طواعية منهم ورغمًا عن ذلك يسهمون وبشكل واضح في دفع عجلة التنمية فيه دون كلل أو ملل تسوقهم المواقف الوطنية التي تربوا ونشأوا عليها وارتووا من معينها وحملوها زادًا يقيهم هجير الهجرة والاغتراب!!.

رباب علي
صحيفة الانتباهة

Exit mobile version