مظاهر وفشخرة مغتربين

وحدنا .. نحن معشر المغتربين السودانيين من تطول غربتهم بلا أمد محدَّد.. ولو أنك سألت أي مغترب متى العودة يا شيخنا… لاطرق واجماً… ورسم علامات الاستغراب على لوحة وجهه السمراء… ولحرك السؤال فيه لواعج الحيرة.. ومكامن الشجن… ولغنت خواطره بأسى وحرقة (متين العودة تاني يا)… الحق أن الاغتراب السوداني له طبيعة خاصة، فقانون الأسرة الممتدة الذي يجعل أيادي المغترب تمتد لتكفي حاجة خاله وخالته وعمه وعمته وأولادهم.. وأولاد أخته الأرملة.. أو أخيه الذي مضى… بل ومصاريف الدراسة للصغار.. والجامعات.. وحتى الجيران… والأهل الأباعد.. كلها ظواهر تدل على أصالة هذا الشعب وتفرده… لكن هذه الثقافة يمكن تعديلها…. فالأفضل للمغترب أن ينجز لأهله مشروعاً استثمارياً ولو برأس مال صغير بدلاً من أن يتحوَّل إلى حصالة نقدية تعباً من ثم تفرغ في حلقة جهنمية… وتدور قصة الغربة.. بحبكة مريرة… ولا نهاية لها… ورغم أن هذا السلوك يطيل من أمد الغربة…. لكنه مقبول… ومبلوع… أما الفشخرة والمظاهر… فهي الآفة… ما دعاني إلى هذه الخاطرة صديق في وضع وظيفي جيد… راتبه حوالى الـ 9000 ريال… اقتنع أن يرسل عائلته كوفد مقدمة للاستقرار في السودان… غير أن زوجته… الفشارة… غريبة الأطوار… محبة المظاهر.. و(الشو)… ألزمته أن يرسل مصاريف في حدود 5500 ريال ما يقارب التسعة مليون بحساب الأسود النشوان… سوق العملة الغريب.. الطاحن… وأصبح صديقي من دين إلى دين.. ومن صندوق إلى سلفية… في غربة لا يعرف لها حد… ولا سدرة منتهى… ومثل صديقي كثيرون.. حياتهم مظاهر… بريق زائف.. خداع….. وأوهام.. والحصيلة غربة ممتدة… والنتيجة مآسٍ… ودراما.. وقصص… وقد شهدت عوائل كثيرة مات عائلها.. انتقل إلى رحاب ربه… وترك عائلته في مهب الريح.. وكثير من الأرامل رفضن الذهاب إلى السودان.. لأن رب الأسرة لم يترك لهن شيئاً.. والأرحم لهن أن يبقين هنا.. من هؤلاء النسوة من غلبته الظروف.. فانحرفت الأسرة.. بكل أسف وألم… ومنهن من صمدن وعملن بعرقهن.. في بيع الكسرة أو التدريس وغيرها من مهن… فهل هذا هو ما نريده لعوائلنا وأسرنا… أنا لا أقول لا تساعدوا أحداً..لا أنادي بالتقشف والتقتير.. وحرمان الأولاد من المتع المتاحة.. لكنني أنادي بالتبصر… وقراءة المستقبل…

الواثـــق عبــد الرحمــن/ المحامي/ الطائف
صحيفة الانتباهة

Exit mobile version