عماد المسعودي : تجربتي .. تسجيل شركة في الوطن العربي

[JUSTIFY]كما وعدت سابقاً، سأحاول تدوين بعض التجارب التي نمر بها لكي يستفيد منها الرواد المقدمين على تأسيس مشاريع جديدة. فعندما كنت أبحث عن المستثمرين لعقارماب، كان الكثير منهم يسألني، هل لديك شركة أم أن عقارماب مجرد فكرة وموقع. طبعاً، كان بإمكاني تسجيل الشركة قبل الاستثمار بكل سهولة، وسبق لي تسجيل شركات عديدة في اليمن وفي أمريكا، ولكني قبل الاستثمار كنت حائر في كيفية اختيار أفضل بلد لتسجيل الشركة فيه. كانت الخيارات كثيرة (اليمن، امريكا (ولاية ديلوير)، مصر، السعودية، الإمارات، أو في إحدى الدويلات/الجزر الموجودة في البحر الكاريبي والمشهورة بتسجيل الشركات فيها نظراً لسهولة التسجيل وعدم وجود أي ضرائب أو متطلبات مثل: Cayman Islands و BVI). في النهاية توصلت لفكرة جيدة أعتقد أني قرأت عنها أو نصحني أحد أصدقائي بها، وهي لا تقوم بتسجيل شركتك حتى تحصل على الاستثمار، فكل مستثمر يفضل الاستثمار في مكان مختلف، والبعض قد لا يستثمر في الشركة لمجرد عدم رغبته في الاستثمار في شركة مسجلة في السعودية مثلاً، أو في أمريكا. وهذا بالضبط ما قمت به، وكنت أكتفي بالقول أن الشركة في طور التأسيس حالياً Company in formation، وفور الحصول على الاستثمار سنقوم بتسجيلها مباشرة.

بعد تمويل شركتي، بدأت التشاور مع المستثمرين بخصوص اختيار الدولة التي سنسجل فيها الشركة Choosing the legal Jurisdiction، وبعد استعراض الكثير من الخيارات توصلنا إلى خيارين، إما أن نسجلها في جزر BVI، أو أن نسجلها في الإمارات، في إمارة رأس الخيمة. قبل أن أشرح لكم أين تم التسجيل، وكيف تم التسجيل، دعوني أشرح لكم ما هي المعايير التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند اختيار الدولة المناسبة للتسجيل:

١- الضرائب: لعل أهم عامل في اختيار الدولة التي سيتم التسجيل فيها هو نسبة الضرائب التي تطلبها هذه الدولة، فبينما هناك دول تطلب ٢٠ إلى ٢٥٪ ضرائب، هناك دول لا تطلب ضرائب نهائياً. هذه الدول عادة ما توفر الإعفاء الضريبي لاستقطاب رؤوس الأموال، وفي الوطن العربي أعتقد أن الإمارات والبحرين فقط هما الدولتين الوحيدتين، بينما بقية الدول لديها هيئات استثمار تقدم إعفاءات وتسهيلات جزئية فقط.

٢- Offshore Company: هناك دول تسمح للشركات بالتسجيل فيها بدون الحاجة لفتح مكتب للشركة في نفس الدولة، وتكتفي الحكومة بطلب وجود ممثل قانوني للشركة في البلد وعادة ما يكون مكتب المحاماة الذي ساعد في تسجيل الشركة، والذي عادة ما يأخذ رسوم من الشركة مقابل تقديم هذه الخدمة. طبعاً، قد لا تحتاج بعض الشركات لهذه الخاصية إذا كانت تنوي الشركة بدء المشروع من نفس البلد الذي تنوي التسجيل فيه، لكن في الغالب تكون الضرائب في البلد الذي تنوي التسجيل فيه عاليه، فتضطر للبحث عن بلد آخر يقبل التسجيل فيه بدون أن يطلب منك افتتاح مكتب فيه. أيضاً، الإمارات والبحرين لديهما هذه الخاصية.

٣- النظام القانوني: قد يتجاهل الكثير هذه النقطة على الرغم من أهميتها، فمن المهم اختيار دولة لديها قوانين تجارية متطورة تتماشى مع ما قد تمر به شركتك في المستقبل من استثمارات مستقبلية، واستحواذات واندماجات، وأيضاً يجب أن يكون النظام القانوني مرن وسلس، وإجراءات التسجيل وغيرها من الإجراءات سريعة وسهلة وغير مكلفة. كما أن بعض الدول قد لا تسمح ببعض الأمور التي تهم شركتك، مثلاً جميع الدول العربية لا تسمح بوجود Stock Options Pool أي مجموعة من الأسهم تخصص لموظفي الشركة، مما قد يجبرك على البحث عن طرق معقدة لتخصيص مثل هذه الأسهم لفريق عملك. أيضاً، كلما زادت عدد الشركات المسجلة في الدولة وكلما زادت عدد القضايا التجارية في البلد، تزاد خبرة القضاة في التطورات الجديدة في القضاء التجاري، وأيضاً تتوافر سوابق أحكام precedence، مما يسهل حل القضايا التي قد تواجه شركتك في المستقبل بشكل أسهل.

٤- تكاليف التسجيل: بالنسبة للشركات الناشئة، التكاليف والمصاريف تمثل عامل مهم في اختيار البلد الذي سيتم التسجيل فيه، فبين كل بلد وبلد هناك اختلافات كبيرة، بعض الدول تطلب فقط 500 دولار للتسجيل وآخرى تطلب ما يقارب 5000 دولار.

٥- المتطلبات الإدارية: معظم الدول لديها متطلبات إدارية، مثل تقديم إقرار ضريبي سنوي، وعقد اجتماعات مجلس إدارة، ووجود أمين خزينة وتسجيل ملاحظات جميع الاجتماعات، وهناك دول مرنة لا تطلب كل هذه التفاصيل، وتكتفي بأقل قدر من المتطلبات الإدارية.

٦- البرستيج: أخيراً، قد يفضل البعض تسجيل شركته في إحدى هذه الدول لأنها تضفي نوع من البرستيج للشركة، فمن الجميل أن يكون عنوان شركتك Hong Kong، وهي إحدى الدول التي تقدم تسهيلات جيدة للشركات.

ملاحظة: الكثير من الجزر التي توفر تسهيلات كبيرة هدفها الحقيقي هو التربح من رسوم تجديد الشركة سنوياً، بالإضافة إلى خلق وظائف في القطاع المالي، حيث أن تسجيل هذه الشركات يستدعي في العادة وجود بنوك في البلد ومحاميين ومحاسبين إلخ. بعض هذه الجزر سكانها لا يتجاوز ١٠,٠٠٠ نسمة، وربما معظم العاملين في الجزيرة يقومون بتوفير خدمات لآلاف الشركات التي تسجل هناك سنوياً. أيضاً، بعض هذه الجزر تسمح بأن لا يتم إيراد اسماء الشركاء الحقيقيين في سجلات الشركة مقابل استخدام أسم المحامي أو الممثل القانوني كبدل، لهذا تعج هذه الجزر بآلاف الشركات الوهمية، وطبعاً شركات تبييض الأموال. فقط أردت الإشارة إلى هذه النقطة لأنها مهمة، لكن هذا لا يعني أن التسجيل فيها يثير أي مخاطر، فهناك آلاف الشركات المحترمة والكبيرة التي تستخدمها كمقر قانوني لها لهدف رئيسي هو تخفيض تكلفة الضرائب.

طبعاً، هناك عوامل كثيرة أخرى، أنصح بأن تناقشها مع المحامي الخاص بك، لكن هذه عوامل رئيسية اعتمدتها عند المقارنة بين الخيارات المتوفرة. في النهاية، قررت مع مجلس إدارة الشركة أن يتم التسجيل في دولة الإمارات، وكان أمامنا خيارين، التسجيل في هيئة استثمار رأس الخيمة RAKIA أو التسجيل في هيئة استثمار جبل علي بدبي JAFZA، أعتقد كان هناك أيضاً خيار التسجيل في مدينة الإنترنت عبر TECOM، لكن الرسوم المطلوبة واشتراط وجود مكتب في المدينة جعلني استبعد هذا الخيار خصوصاً وأني لا أنوي استهداف دولة الإمارات في الوقت الحالي.

بصراحة، لا أتذكر جيداً سبب اختيارنا لرأس الخيمة، وليتنا لم نختر هذا الاختيار، فقد أستغرق تسجيل الشركة هناك أكثر من سنة كاملة، بين جمع للاوراق المطلوبة، وذهاب وإياب المحاميين إلى مكتب الهيئة، وطلبات الهيئة الغريبة، وبطء العملية بشكل كبير، وسفر المسؤولة عن الموافقة بشكل مستمثر وقضاءها لإجازات طويلة هنا وهناك. لا أبالغ عندما أقول بأن التسجيل استغرق أكثر من سنة، وهذا بصراحة زمن خرافي، حيث من الممكن أن تفلس شركة أو يتم بيعها قبل إنتهاء هذه الفترة الزمنية. ولكي أكون عادلاً، لم يكن كل التأخير من قبلهم، فقد كان هناك تأخير كبير من قبلي ومن قبل مجموعة المستثمرين الذين معي، لأننا بصراحة لم نكن جاهزين لكمية الأوراق التي طلبها. المهم، بعد مضي سنة، قررنا أن نتراجع عن قرار التسجيل في رأس الخيمة، وأحمد الله أننا قررنا فعل ذلك، وتوجهنا إلى هيئة استثمار جبل علي، وتم التسجيل بشكل أكثر سلاسة وفي فترة لم تتجاوز أكثر من شهرين، وهذه فترة مقبولة. لا أخفي عليكم أني سجلت شركات في أمريكا في ولاية ديلوير عبر الإنترنت بـ ٢٥٠ دولار، بدون أي محامي، واستلمت شهادة التأسيس بعد يومين عبر البريد، وفي نفس اليوم فتحت حساب بنكي، وبدأت البيع ! طبعاً، لا يزال المشوار طويل أمام الحكومات العربية لتسهيل متطلبات التسجيل لديها، لكن الحقيقة هناك تطور متسارع في قوانين الاستثمار وهناك تسهيلات مستمرة يتم اعتمادها، وأرى بأننا نسير في الاتجاه السليم. أحب أن أذكر أيضاً أني سمعت بأن التسجيل في الجزر الأمريكية والبريطانية مثل BVI وCayman Islands وغيرها من الجزر، يتم بشكل أسرع اسبوع أو اسبوعين.

لا أخفي عليكم أننا ارتكبنا خطأ كبير ساهم في التأخير بشكل رئيسي، وقد كان هذا درس كبير لي، وهو أننا قمنا بتقديم أسماء جميع المستثمرين من البداية، وأعتقد بأن الأفضل أن يتم تسجيل الشركة بإسم فرد واحد فقط في البداية، بحيث يتم الحصول على شهادة التأسيس بسرعة، ومن ثم يتم إضافة بقية الشركاء ولا بأس إن تأخر إضافتهم طالما أن الشركة تأسست ويمكنها بدأ العمل. والحقيقة أن الصعوبة تكمن في وجود شركاء غير أفراد (أي شركات)، وهذا طبعاً هو الغالب هذه الأيام، فعندما يكون المستثمر معك هو شركة، في إن شروط هيئات الاستثمار أكثر تعقيداً، حيث تحاول الشركة معرفة تفاصيل الشركة وكل الأفراد المالكين لها، فبدلاً من أن تجمع ٥ ورقات، ستحتاج إلى ٢٠ ورقة، أما الكارثة الكبرى إذا كانت الشركة التي استثمرت معك، فيها شريك هو في الحقيقة شركة أخرى، ففي هذه الحالة ستطلب منك هيئة الاستثمار أوراق ملاك الشركة الشريكة في الشركة التي استثمرت فيك، لكي يزيد عدد الأوراق ويصبح ٤٠ ورقة، وتخيل إذا كانت هناك عدة شركات تشاركت في تأسيس شركة وهذه الشركة استثمرت في الشركة التي استثمرت فيك فيلم هندي بصراحة.. وسلسلة طويلة يتم جمع أطرافها، ينتج عنها بطء تراكمي لعملية التسجيل. بصراحة، أعتقد أن الجزر الغربية لا تقوم بالتدقيق بهذا الشكل، لكني أحترم الدول التي تقوم بمثل هذا التدقيق على الرغم من أنه غير مريح، فهي في الحقيقة تحاول الوصول إلى الأفراد المالكين، للتأكد من هويتهم، مالم فسيمكن لأي شخص تفادي تعرف الهيئة عليه عن طريق الاستثمار بأسماء شركات واستخدامها كغطاء قانوني لتحركاته.

قد يتساءل البعض، كيف استطعنا التعامل مع فترة الإنتظار الطويلة؟ بصراحة، شكر كبير للمجموعة المستثمرين في الشركة، حيث أظهروا مستوى عالي من السلاسة والمرونة والثقة في الشركة، فبدأنا العمل قبل أن تكتمل الأمور القانونية، ولكي نحافظ على قانونية نشاطنا في السوق المصري، تم تسجيل شركة مصرية مؤقتة تم استخدامها خلال هذه الفترة إلى أن اكتمل التسجيل في الإمارات. الجدير بالذكر أن تسجيل الشركة في مصر استغرق ٥ أيام فقط 🙂 طبعاً، هذا لأنني تعلمت الدرس، ولم أسجل جميع الشركاء فيها.

إذاً، أهم درس شاركته معكم اليوم هو أن تقوم أولاً بتسجيل الشركة بإسمك أو بإسم شخص واحد فقط، وبعد ذلك يتم إضافة بقية المستثمرين، خصوصاً في حالة وجود شركات مستثمرة. طبعاً، في حالة وجود ثقة بين الشركاء، قد يسبب هذا الوضع تأخير كبير في ضخ رأس المال في الشركة، فقد يجد المستثمرين حرج في تمويل الشركة قبل ثبوت ملكيتهم لجزء منها قانونياً. لهذا، أرى أن التشاور مع المستثمرين وأخذ رأيهم بخصوص هذه النقطة قبل الإتفاق النهائي على الاستثمار أمر في غاية الأهمية.

[/JUSTIFY]
مدونة المسعودي
[/URL]
Exit mobile version