جمال عنقرة : عفواً مأمون حميدة .. أخلاق السودانيين اليوم أفضل مليون مرة

المتعافي… لا تنه عن خلق وتأتي بمثله.. وخضر جبريل ليس آخر الرجال المحترمين … الشؤون الدينية والأوقاف.. هل تجيب على أسئلة أحمد المصطفى بالأرقام .؟

برنامج صالة تحرير بقناة أم درمان الفضائية الذي إستضافني فيه يوم الأربعاء الماضي الأخ الزميل الأستاذ عبد الباقي الظافر تناول قضايا مهمة ، مما نشرته صحف ذاك اليوم وقبل أن ابارح مبنى القناة بدأت في إستقبال المكالمات الهاتفية حول ما اثاره البرنامج من قضايا، هذا فضلاً عن موضوعات أخرى حدثني عنها الاخ الظافر قبل بداية الحلقة ، الا أن الزمن لم يسعفنا لتناولها فرأيت أن اكتب هذا المقال إستكمالاً لذاك البرنامج الذي يبدو أنه يحظى بنسبة مشاهدة عالية جداً.

أكثر قضية تحتاج الى تفصيل ما اثاره البروفسير مامون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم حول حملة الوزارة لمكافحة التبغ ، والمخدرات ، ومحاربة الرذيلة، ولقد إختلفت مع دكتور مأمون في أن نسبة الممارسات غير الاخلاقية في السودان تنخفض كثيراً مما كانت عليه قديماً ، وفي تقديري أن إستعظام وزير الصحة للخطر هو الذي جعله يهول الأمور، بخلاف الأخرين ممن يفعلون ذات الشيء للطعن في النظام والحكومة بالادعاء الكاذب بأن في عهد الإنقاذ والتوجه الحضاري تفشت الرذيلة، وساءت اخلاق الناس، وقطعاً بأن الدكتور مامون حميدة لاينطلق مما ينطلق منه هؤلاء الذين يسيئون الظن، ويتربصون بالتوجه ، ولكنه يخدم خطهم، ولو كان ما يقول الدكتور مامون وهؤلاء صحيحاً لما انكرناه ، ولكنه يجافي الحقيقة تماماً ، ومع ذلك يجب على كل الجهات الحكومية والشعبية والدعوية أن تضاعف من جهودها لمزيد من التطهير وتزكية المجتمع.

وحتى لا نطلق الحديث جزافاً ،فاننا نرد الناس الى المظاهر العامة والممارسات الشائعة في ستينات وسبعينات القرن الماضي وننقل لهم بعض مظاهر ذاك الزمان الغابر ليدركوا أن اخلاق السودانيين اليوم افضل مليون مرة مما كانت عليه قديماً، ونرد الدكتور مامون الى (ميسات) الاطباء في ذاك العهد، وهو قطعاً لم يكن في مقدوره الاقامة فيها لأنه كان من المتطهرين فلقد كان اكثرها عبارة عن مواخير، ولم تكن للاطباء وحدهم ، ولكنها كانت مفتوحة حتى لأصدقائهم ولم تكن تجرؤ بنت شريفة على السير بشارعها حتى لاتضع نفسها موضع الاتهام ، وكان في بعضها (حفرة دخان) وللناس ان يقارنوا بينها وبين الميسات اليوم ، التي تعقد فيها حلقات التلاوة والذكر، وتقام فيها افطارات الصيام كل اثنين وخميس.

ولم تكن ميسات الاطباء تشذ عن المجتمع الذي لم تكن فيه الرذيلة منكرة ففي كل مدينة توجد احياء مخصصة لممارسة الرذيلة جهاراً نهاراً ، وكانت اكثر هذه البيوت لكبار رجال البلد وسادتها وشيوخها ممن يقيمون المساجد وينفقون سراً وعلانية . وكان بعضهم يتحصل إيجار هذه المنازل المخصصة للدعارة بأنفسهم ، وكان الإيجار باليوم وليس شهرياً، مثل بقية المنازل الأدني الطاهرة وعندما كانت الغرفة تؤجر شهرياً بجنيهين فقط في الشهر ، كانت تؤجر للمموس بخمسة وعشرين قرشاً في اليوم، التي كانت تسمى (طرادة) وكانت هذه الطرادة هي قيمة المضاجعة الحرام، وكانت المومسات تعتبر ذلك رزقاً، فكان عندما ياتيها صاحب المنزل بعد صلاة المغرب ، ولم تكن قد بدأت العمل الفاحش بعد تقول له (يا عم او شيخ فلان لسه ما استرزقنا) فيرد عليها (خلاص نمشي نصلي العشاء ونجي نلقاك استرزقت) وكانوا يعنون بالرزق ثمن المضاجعة الحرام.

وكانت مظاهر هذه الاحياء قبيحة جداً فالرجال يقفون صفوفاً أمام تلك المنازل يدخلون الواحد تلو الأخر على امرأة واحدة يمكن أن تستقبل أي عدد في الليلة، ولايفصل بين الواحد والثاني غير شطفة ماء وكانت الشرطة تضبط النظام في هذه البيوت الداعرة وتنظم الصفوف وتحول دون الاحتكاك واذا قضى رجل حاجته القبيحة ولم يدفع تدخلت لأخذ حق المومس منه مع أن اكثرهم يأخذن الثمن قبل البداية ولهن شعار في ذلك يعرفه الناس ويحفظونه.واذا قدر لأسرة محترمة أن يقع بيتها في هذه الاحياء التي إنتشرت فيها الرذيلة كانت تضطر الي تعليق لافتة على الباب مكتوب عليها (منزل احرار) اما أن يزعم البعض أن نسبة المواليد غير الشرعيين قد زادت هذه الأيام مستندين على أرقام دور الأيواء وما تسجله محاضر الشرطة من لقطاء يوجدون في قارعة الطريق، فهذا ايضاً غير صحيح، فقديماً لم يكن المولود غير الشرعي منبوذ، ولافرق بينه وبين المواليد الشرعيين ، ومن طرائف ذاك الزمان أن رجلاً جاء من سفر لزيارة شقيقه فسأله إن كانت ابنته قد تزوجت فرد عليه (لا لسه ما اتزوجت لكن الحمد لله جابت ولد) وفي بعض المناطق أبناء السفاح يشكلون أغلبية، وعندما يسأل احدهم عن والده يقول ولد حظي اي ابن خطيئة فاذا أراد دخول المدرسة قيد باسم احد اخواله ولم يكن ذلك مستنكراً.

اما الحديث عن الأزياء الفاضحة التي يتحدث عنها الناس اليوم فارد هؤلاء الى اية صورة زفاف موجودة ومعلقة في اي منزل من صور زواج، ذاك العهد الستينات والسبعينات، ليشاهدوا كيف كانت تلبس العروس مقارنة بزفاف اليوم اما أزياء الشارع فدونكم (جكسا في خط 6) وهذا «زي» ستاتي معروف أعلى الركبة كانت ترتديه اكثر الفتيات، ولم يكن يستقبحه أحد.

أما عن التبغ والتمباك فلم يكن في ذاك الزمان يخلو منزل من (حبوبة) لا تتعاطى التمباك لاسيما من بعض القبائل التي اشتهرت نساؤها بذلك وكانت النساء تدخن وكان التبغ والخمر لايفارقان جلسات (الز ار) التي كانت شائعة ومنتشرة.

وكانت النساء تواجب بعضهن البعض في الافراح بقطار من الخمور البلدية ولم يكن يكتمل حفل زواج او غيره بسبب تدخل السكارى ومشاجراتهم ومعروفة نكتة (دي السكرة الكايس ليها ابوك) أما المخدرات فالبنقو كان مشاعاً ، وكان يشتهر ببيعه اصحاب مهنة معينة ، وكان النظاميون أكثر من يجلبه في عطلاتهم واذوناتهم من (الجنوبية) و (الغربية) الميسر كان مشاعاً ، وكانت كل الاندية تديره وفي شهر رمضان ومنها اندية الشرطة التي كانت تنظم (الحريق) في شهر رمضان من بعد العشاء وحتى السحور وكنا شهوداً علي ذلك.

فمهما تعاظمت الممارسات الشاذة هذه الايام فإنها لن تبلغ معشار ما كان عليه قديماً، ومع ذلك نساندك دكتور مامون حميده، ونقف معك للقضاء على بعض ماتبقى من ممارسات الزمن القبيح ، ومن الموضوعات التي حدثني عنها الاخ الظافر ولم يسعفنا الزمن لمناقشتها التصريح الذي ورد على لسان القيادي في حزب الأمة الفريق صديق اسماعيل والذي كشف فيه عن خطاب بعث به الحزب للسيد رئيس الجمهورية لتوحيد الوطنيين من اهل السودان والفريق صديق هو من سواعد الامام الصادق القوية وهو معه في خط التسامي عن الخلافات الحزبية من أجل وحدة الوطن، ولكن مشكلة السيد الصادق في (الترلات المنفسة) داخل حزبه وخارجه ممن يعطلون مسيرته، ويكسرون مجاديفه، ولكن الامام له عزيمة قوية لم تلن، ولعل دعوته اللاحقة لتأسيس حزب السودان الجامع دليل على ذلك ، ولكن تظل مشكلته في بعض قيادات حزبه وبعض اهل بيته الذين يجدفون عكس إتجاه سفينته الوطنية، ومشكلة أخرى في بعض قوى المعارضة التي لايهمها الوطن ومثلهم من الحاكمين من الذين يغردون خارج السرب ويتعاملون مع مبادرات الامام الصادق المهدي بسلبية شديدة.

قضية أخرى لم نناقشها هي النزاع الذي نشب بين بعض الاتحاديين في نادي الخريجين بام درمان وأفشل ندوة للحزب، وهم من مجموعة الشريف زين العابدين الذين تفرقت بهم السبل بعد رحيل زعيم الحزب، فكانت المجموعة التي يقودها الدكتور جلال الدقير قد أعدت لندوة لنصرة القوات المسلحة بعد تحريرها لمدينة ابوكرشولا وهذا ما تعارض مع مجموعة أخرى يبدو أنها أقرب في طرحها الى ما يسمى بالجبهة الثورية فسعت هذه الى إفشال الندوة فتدخلت السلطات والغتها حتى لاتقع إشتباكات تضر بالأمن العام.
وهذه كلها بعض إفرازات التشتت بعد رحيل الشريف زين العابدين ، ومن سمات الشريف عليه رحمة الله أنه يتيح المساحة لرجاله لإتخاذ مواقف متباينة دون حسم سلطوي، وبرغم أن هذا المنهج يتيح فرصة للتعبير بحرية بما يحقق التعدد في إطار الواحد، لكنه يفتح الطريق ايضاً امام نزاعات كثيرة ، وهذا ما حدث بعد رحيل الرجل، فغرق حزبه في (شبر مويه) وصار رجاله يتحركون في فلك محدود، ويجترون ازمات متجددة ومتجذرة، وهذا كله بعضاً من الازمة الاتحادية الكبرى فرغم أنهم مع مجموعة (الأصل) التي يقودها مولانا السيد محمد عثمان التقوا اخيراً في التعاون مع المؤتمر الوطني ومشاركته الحكم، لكنهم لم يلتقوا مع بعض وهم الأقرب لبعضهم البعض تحدثنا في صالة تحرير عن المؤتمر الصحفي لوزير الزراعة الدكتور عبدالحليم المتعافي، ومن ذلك اصراره على بقاء خضر جبريل في موقعه مديراً لوقاية النباتات واعلم أن المتعافي ثقته مفرطة في خضر جبريل، وهو قطعاً له مبرراته، وقال لي مره أن الذين يقودون الحملة ضد خضر جبريل من الشركات والموظفين هم الذين تضرروا من محاربته للفساد ويمكن أن نتفق مع الاخ المتعافي علي نزاهة وحنكة خضر جبريل ، ولكن أعتقد أن المتعافي وقع في ذات ما كان ينهي عنه من سوء ظن ، كان يوجهه الاعلام للشركات التي يمنحها إمتيازات فهو اليوم يشكل ايضاً في شركات أخرى ولا احسب أن الأمر كله بهذه الطريقة والشركة التجارية الوسطى التي إتخذت مثالاً لذلك حدث أن زرناها برفقة النائب الأول لرئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه بترتيب من ولاية الخرطوم مع غيرها من الشركات العاملة في المجال الزراعي، وأشهد أنها قد احدثت طفرة كبيرة ، ومثل هذه الشركات تحتاج أن تتعاون مع الجهات الحكومية العاملة في هذا المجال ، وفي مقدمتها وزارة الزراعة، وتحتاج اليها هذه الجهات الحكومية وهي ذراع لهم لتحقيق النهضة الزراعية بالبلاد وأرى أن تبعد الوزارة والشركات بخلافاتهم من الاعلام، ويجلسوا معاً لتحقيق صالح البلاد والعباد.

اما إصرار الدكتور المتعافي على السيد خضر جبريل فليس له ما يبرره ، فيجب
إحترام قوانين الخدمة المدنية التي يجب أن تطبق على الجميع ، وبالطبع فإن خضر جبريل ليس هو أخر الرجال المحترمين في وزارة الزراعة.

مسألة أخيرة هي ما أثاره الاستاذ احمد المصطفى ابراهيم من استفهامات في عموده يوم الاربعاء الماضي وماطرقه من اسئلة مشروعة حول بعض الاوقاف الحكومية فنرجوا أن تتعامل وزارة الشوؤن الدينية والاوقاف بمسؤولية مع هذه الإستفهامات وترد على اسئلة احمد المصطفى بالارقام.

ولازلنا في إنتظار الإجابة على سؤال قديم طرحناه كم أعاد ناظر الاوقاف الحبيس الاخ خالد سليمان لخزينة جمهورية السودان من أوقاف كانت ضائعة بما صرفه على ذلك بغير مستندات روتينية اوقعته في دائرة الادانة والقت به في السجن، نسأل الله أن يفك كربته ويكتب له ذلك في ميزان الحسنات.

صحيفة الوطن

Exit mobile version