وتلك قصة رواها بتفاصيلها الدقيقة العميد حينها مدني الحارث، مهندس صفقة انضمام نجم المريخ المعتزل فيصل العجب إلى صفوف القلعة الحمراء، مبتدئاً حديثه بالإشارة إلى أن نادي كوبر في العام 1997م، كان لا يقل عن ناديي القمة سواء في الدخل أو المستوي الفني.. وقال إنه تلقى دعوة لحضور مباراة كوبر بإستاد الخرطوم في دوري الأولى لمشاهدة فيصل العجب. وقال: لقد تملكني العجب، فقد كان الإستاد ممتلئاً لآخره، واضطررت للجلوس على الأرض لمشاهدة المباراة، وقد شاهدت العجب يتلاعب بالخصم ويتحرك بمهارة غير عادية، خلقت لدى إحساساً بأن هذا اللاعب فلتة لن تتكرر، وأن وجوده في المريخ مسألة مهمة.
عقب المباراة؛ توجهت إلى منزلي في حي الشاطئ، وبعد خمس دقائق، طرق الباب مزمل حسن صديق ومولانا أزهري أبشر، وتحدثنا عن فيصل ومفاوضته، وقررنا الدخول في مفاوضة رسمية، بعد أن تلاقت رؤانا، والمجلس بقيادة عصام الحاج وماهل أبو جنة. واتفقنا على إحضار العجب من عطبرة وإدخاله الغرفة. وفي اليوم التالي؛ اجتمعنا بمنزل الأخ مولانا أزهري أبشر بحضور الإخوة نادر مالك- العميد أحمد يوسف العميد سيف النصر إسماعيل محمد خير عبد الرحمن محمد المرتضى مزمل حسن صديق. وأسفر الاجتماع عن تكليفي بالسفر إلى عطبرة، وكان ذلك يوم الثلاثاء. وغادرت بالفعل إلى عطبرة لحضور مباراة كوبر والوادي عطبرة، وكان برفقتي الأخ كمال شقاق، ووصلنا في بداية الشوط الثاني، عقب المباراة تحدد مصير كوبر بعدم التأهل إلى الممتاز. وكان علينا أن نراعي وجود العجب مع فريقه، وعدم خطفه، وبالفعل سارت الأمور بشكل عادي جدا، ولم تكن هناك مضايقات أو مفاوضات أو محاولة خطف. توجهنا بعد ذلك إلى سلاح المدفعية حيث تعسكر كوبر، صلينا المغرب وتحاورنا مع العجب وتناقشنا معه، ثم عدنا إلى الخرطوم باتفاق على إكمال العملية. عقب عودة كوبر إلى الخرطوم أطلعنا الإخوة في الخرطوم بما تم، وأمنوا على كافة الخطوات، وتم الاتفاق على إحضار العجب إلى منزلي. وفي يوم الخميس وهو اليوم المحدد لعودة كوبر ودخوله الغرفة، جاءني الإخوان محمد المرتضى ومزمل حسن صديق ومحمد خير، وبرفقتهم العجب والزين آدم. وبعد أن استلمتهما قلت لهما توكلوا على الله ومهمتكم انتهت. وبات العجب والزين في منزلي في حي الشاطئ.
وفي يوم الجمعة كنا مشغولين بمباراة القمة التي كان محددا لها مساء السبت، واتفقنا على تحويلهما للخرطوم لمنزل سيف الدين حسن بابكر، وانضم إليهم في ذات اليوم لاعب العباسية جعفر الأمين. عشية السبت؛ انتصر المريخ بهدف نميري، وقررنا الذهاب إلى منزل اللاعبين بالصافية، ومن ثم الذهاب للاحتفال بالكأس في منزل سيف الدين حسن بابكر، وكان معنا خالد أحمد المصطفي- إبراهومة- أمير كاريكا نميري أحمد سعيد، بالإضافة إلى نادر مالك وشباب النهضة. واحتفل معنا العجب والزين بالكأس ثم خلدوا للنوم بمنزل سيف الدين حسن بابكر.
في اليوم التالي الأحد نقلناهم إلى شقة في حي الزهور صاحبها عمرو توفيق ومكثوا فيها يومين. وفي يوم الاثنين، اتصل بي الأخ العاص، وأخطرني أن جعفر الأمين مصر على الخروج ومقابلتي، وقال إن الهلال اتصل به، وقال إنه يريد مقابلة شقيقه في بنك السودان.
سمحنا لجعفر الأمين بمقابلة شقيقه، وفي ذات الوقت حولنا الغرفة إلى شقة عوض حسين، وزيادة في الاطمئنان، اتصلنا بالأخ عصام الحاج الذي بدوره اتصل بفتحي إبراهيم عيسى الذي قبل استضافتهم، ومكثوا معه يوماً بحي أبي روف.
ومن الغرائب؛ أن شقة عوض حسين تعرضت لعملية مداهمة من الهلالاب بعد تحويل اللاعبين بربع ساعة فقط. وفي اليوم التالي حولناهم إلى شقة في حي الصفا وأضفنا إليهم نجم الدين أبو حشيش لاعب حي العرب وعصام عموش. في هذا الوقت، حصلت مداهمات ومطاردات ومغامرات بسبب إخوة فيصل العجب، فقد جند الهلالاب قوات متعددة لمعرفة مكان العجب، وزادوا عليه بعرض حافز للذي يدلي بمعلومة تفيد بمعرفة مكانهما.
أيضا في هذا الوقت؛ حدثت تدخلات حكومية، واستدعي شقيق العجب عدة مرات وطُلب منه في الآخر مقابلة رئيس الجمهورية، وكان ذلك بإيعاز وتدبير من رئيس نادي كوبر (جلاس)، أيضا تدخل نادي السد القطري.
قابل حسن شقيق العجب رئيس الجمهورية، وأكد له أن عرض النادي القطري أضعف من عرض المريخ بمراحل.
ولمجابهة كل هذه التحديات، عقدنا اجتماعاً مع الإعلام المريخي، وحضره مزمل أبو القاسم- مجذوب حميدة إسماعيل حسن وشباب النهضة، رسمنا الخطة الإعلامية، وأكدنا لهم أن العملية لا تحتمل الفشل.
في اليوم التالي اتصل بي الأخ عصام الحاج، واتفقنا على أن الوضع أصبح خطيراً للغاية ومحرجاً، وأخطرنا اللواء فيصل بالوضع، وطلبنا منه استضافة العجب في منزله ووافق. وأذكر أنه انضم للغرفة اللاعب ريتشارد جاستن الذي أحضره الأخ فتح الله إبراهيم.
في هذه الفترة؛ أصبح الغليان والتوتر يسود كل الأوساط، وتم استدعائي بواسطة رئاستي ومساءلتي عن تحركاتي في العجب، وأخطرتهم بأن هذا عمل اجتماعي وكان بالأحرى استدعاء ومساءلة العميد سليمان محمد سليمان سفير السودان بسوريا، الذي سخر قدرات سفارة السودان في دمشق لخدمة الهلال، وحول السفارة إلى غرفة تسجيلات.
وبعد عدة أيام من تحويل اللاعبين إلى منزل اللواء فيصل، اتصل بي الأخ عصام وأكد أن الغرفة أصبحت مكشوفة، وأن محمد عبد الله اتصل به وأخبره بمكان اللاعبين. وبدون استشارة اللواء فيصل، قمت بتحويل العجب والزين إلى منزل الأخ حسن مصطفى بالحلفايا، وأبقينا على ريتشارد جاستن وأبو حشيش ومتوكل إحيمر بمنزل اللواء فيصل.
قبل التسجيل بيوم، كانت هناك مباراة بين المريخ وبيت المال، وكان الاتفاق على التحرك عقب المباراة مباشرة، وقضى الاتفاق بالعودة إلى منزل اللواء فيصل وتناول العشاء عنده مع بقية اللاعبين وأقطاب المريخ، وقد وضعنا خطة محكمة لمجابهة تحركات الهلال وكوبر والدولة، ووضعنا تحوطات كبيرة.
الشهرة والنجومية عادة ما تكون لها تأثيرات سالبة على لاعبي كرة القدم، وتجعلهم فجأة (كدة) ودون أية مقدمات يبدؤون في الابتعاد عن العائلة الكبيرة، ولكن في حالة فيصل العجب، اختلفت الأمور، فظل الملك قريباً من أسرته، وفي حال ارتباطه بمعسكرات لفريق الكرة بالمريخ أو مباريات خارجية، يظل التواصل عبر الهاتف هو الرابط بينه والأهل، ويتحين العجب أية فرصة يحصل عليها للقيام بواجباته الاسرية ويسعى دائماً إلى صلة رحمه.
يظل برود فيصل العجب من الأشياء التي لا تخفى على عين أحد، فحالة فيصل عند النصر والهزيمة هي نفس الحالة، وتحكي والدته الحاجة فضيلة في تفسيرها لذلك الشيء الغريب قائلة: هو شايف الفرح والحزن ما بغيروا شي، وأن يذهب من اجل الاستعداد للمباراة المقبلة ذلك أهم بالنسبة له. وتكشف الحاجة فضيلة أن العجب عادة ما يواصل القيام بتفاصيل حياته اليومية بصورة عادية، دون أن يضع اعتباراً لنتائج المباريات، سواءً كانت تلك النتائج إيجابية أو سلبية، فتجده يضحك ويأكل ويشرب بصورة أكثر من عادية. أوضحت والدة العجب أن صفة الغرور هي أبعد الصفات عن ابنها فيصل العجب، وقالت إنه متواضع إلى أقصى درجة، ولا يفرق كثيراً بين الكبير والصغير، وأشارت إلى أن القائد يكون بذات الصفات حتى إن كان فريقه انتصر في إحدى المباريات المهمة، مؤكدة أنه يتعامل مع القريبين منه بذات القدر من الاهتمام الذي كان عليه الأمر عندما تعرض فريقه لهزيمة سابقة.
لم يكن قيد فيصل العجب ضمن كشوفات المريخ بالأمر السهل أو العادي، وإنما كان معركة بكل ما تحمل الكلمة من معاني، وكان عبارة عن قصة خلدها التاريخ في أيام وصفتها والدته الراحلة الحاجة فضيلة بالأصعب على الإطلاق من واقع الضغوطات الكبيرة التي مورست عليها، وكل أفراد الأسرة في ذلك الوقت، مشيرة إلى أن أخبار الملك فيصل انقطعت عنهم تماماً، بعد أن أحكم أهل المريخ سياجاً قويا ًعلى فيصل العجب خوفاً من أن تصل إليه أعين الهلال التي طاردته بقوة.
يحكي أصدقاء الملك فيصل العجب وزملاؤه من اللاعبين أن علاقته بالمطبخ (زيرو كبير) ولكن يحفظون له بالرغم من ذلك (إنو ما عندو قشة مرة وبدوس أي حاجة)، مع التأكيد على أن الأكل في المطاعم يظل الأمتع بالنسبة له. وطوال مشواره مع المريخ رصد الجميع العلاقة المميزة التي ظلت تجمع القائد المعتزل مع ثنائي الفريق السابق جندي نميري عضو الجهاز الفني لفريق الشباب حالياً، بالإضافة إلى مدافع أهلي شندي الدولي محمد علي سفاري. وبالرغم من تحول العجب من كوبر 1997م إلى المريخ، إلا أنه ما زال يحتفظ بعلاقات صداقة قوية مع زملائه اللاعبين من أبناء الحي، ونشير هنا إلى أنه كان لا يفارق نجم الموردة السابق نميري سكر، إضافة إلى علاقته القوية بزميله السابق في المريخ الزين آدم، كما يرتبط العجب بعلاقة خاصة مع نجم المريخ الحالي راجي عبد العاطي.
ويظل تراجع فيصل العجب الدائم عن إكمال خطوة الزواج من الأشياء المحيرة لأسرته التي تحكي أن اللاعب ظل على الدوام يلوح برغبته في إكمال الخطوة، وعندما تتحول الرغبة إلى سياق الجدية من جانب الأسرة يتراجع اللاعب فجأة ويطلب تأجيل الخطوة إلى وقت لاحق، ودائماً ما تكون الحجة أن الزمن (غير مناسب) وأن المريخ لديه التزامات يجب أن يوفي بها.
لا يخفي أبناء بحري وأم درمان ممن عاصروا الشقيق الأكبر لفيصل العجب (موسى عجب) في الملاعب إعجابهم الكبير بالأخير، وحتى فيصل العجب نفسه لا يتوانى في إبداء إعجابه بـ(موسى) الذي يعتبره المثل الكروي الأعلى بالنسبة له. ويحكي موسى عن علاقته بالقائد فيصل العجب: (كنت أهتم بفيصل منذ أن أحسست بموهبة كرة القدم العالية التي يمتلكها، وأدركت حينها أن له مستقبلاً باهراً في عالم المستديرة، وأعطيته دفعة معنوية منذ أن كان يلعب بفريق كوبر، وأخذته معي لفريق سلاح الإشارة، وذلك حتى يتمكن من تطوير هذه الموهبة التي هي أصلاً موجودة بداخله).
وبالإضافة إلى كرة القدم؛ يكشف الكثير من المقربين إلى الملك فيصل العجب أن علاقته بالكرة الطائرة أكثر من ممتازة، وأن فيصل لو فضلها على كرة القدم كان سيكون له شأن كبير فيها، خاصة أنه أظهر نبوغاً كبيراً في هذه الرياضة منذ وقت مبكر.
ويحسب للملك فيصل العجب على المستوى الخارجي حصوله على لقب الهداف التاريخي لمنتخبنا الوطني برصيد ثلاثة عشر هدفاً، كان أشهرها على الإطلاق في شباك المنتخب الكميروني، وتعتبر أكبر الإنجازات التي تحسب لقائد المريخ المعتزل بشكل كبير وواضح مساهمته في تحقيق إنجازيْن مهميْن جداً للكرة السودانية، أولهما وصول منتخبنا الوطني لنهائيات الأمم الأفريقية التي أقيمت في يناير 2008م بغانا، هذا فضلاً عن نجاح اللاعب في الحصول على لقب هداف التصفيات المؤهلة للأمم الأفريقية بالاشتراك مع التونسي عصام جمعة لاعب لنس الفرنسي، وثانيها قيادة المريخ لاحتلال وصافة ثاني أكبر بطولات الأندية الأفريقية التي فاز بها الصفاقسي التونسي.
ويقول مدرب المريخ السابق المصري محمود سعد عن العجب: (العجب لاعب غير عادي فهو صانع ألعاب من طراز نادر جدا، ومهاري بصورة مدهشة، وفنان وهداف يستطيع أن يسجل من أي وضع ومن أية زاوية). كذلك نجد أن محترف المريخ السابق الزامبي إليجا تانا أبدي إعجابه بفيصل العجب منذ الوهلة الأولى حيث اشار إلى إمكانية احترافه في أوروبا استنادا على إمكاناته الفنية العالية. وقال تانا إنه عاصر لاعبيْن عظام في الفرق التي احترف بها أمثال فلافيو في بترو أتلتيكو الأنقولي، وإبراهيما دياكيه في الجزيرة، إلا أنه لم يشاهد مثل مهارة العجب إلا في السودان.
ويصف الألماني مايكل كروجر قائد المريخ المعتزل بـ(الجوهرة) مؤكداً أن قيمته الكروية في السودان تماثل قيمة مواطنه الدولي السابق (مايكل بالاك) بالنسبة للألمان، وفي ذات الاتجاه سار البرازيلي جوزيه لويس كاربوني وقطع بأن العجب حالة نادرة في تاريخ كرة القدم، وأنه أحد أفضل النجوم الذين تدربوا على يديه. أما المصري محمد عمر، فلم يتوانَ في التأكيد على أن نجومية فيصل العجب لا تخطئها عين، وأن مهاراته لا تجارى ولا تقارن، وأنه أفضل لاعب سوداني.
كما ربطت العجب علاقة استثنائية ببرازيلي المريخ السابق باولينو، فالملك ينظر إلى صانع الألعاب على اعتبار أنه أفضل محترف مرَّ على الكرة السودانية، وكان يدعو زملاءه إلى الاستمتاع بمهارات البرازيلي الذي يرى في فيصل العجب نجماً لم يحالفه التوفيق في الاحتراف بـ(أعتى) الأندية الأوروبية والعالمية.
من مواليد مدينة كوبر بالخرطوم بحري
هو الخامس بين أشقائه : موسى حسن الرشيد حمد
المراحل التعليمية: كوبر الجديدة الابتدائية كوبر الحكومية المتوسطة «حالياً تعرف بمدرسة الشهيد عثمان حسن أحمد البشير»
اللقب: كوري، وأطلقه عليه والده تيمناً بلاعب المريخ فيصل كوري.
انضم لفريق كوبر عام 1993م من رابطة المنتصر بكوبر، وكان قريباً من التوقيع لنادي بري، وأجرى معه عدة تدريبات إلا أن الأخوان بلال وتاج السر حولا مساره لنادي كوبر.
الانضمام إلى صفوف المريخ في العام 1997م.
تاريخ الاعتزال 5 يونيو 2013م.[/JUSTIFY]
كورة سودانية