خواطر حول التغذية

خواطر حول التغذية
تكاد سيرة حياتي كلها أن تكون دليلا دامغا على ان الجهل بأصول التغذية الصحيحة، يودي إلى التهلكة، وبدون فخر فإن أخاكم هذا لديه أسوأ جهاز هضمي عرفه التاريخ الطبي، ومرد ذلك تفشي الأمية الغذائية في البيئة التي نشأ فيها، فعلى سبيل المثال في بلدتنا الكائنة في شمال السودان، كان الجرجير ينبت طفيليا، وكنا نطعمه للأغنام التي كانت تشاركنا المسكن، ولم نعرف بقيمته الغذائية إلا بعد ان تم احتكاره وتسعيره، فصرنا ننافس البهائم على أكله… ولكن عموما كان الطعام الذي كنا نتناوله في طفولتنا أفضل من ناحية التغذية من الأكلات التي صرنا نتناولها بعد أن صرنا عيال مدن.
وكنت إلى عهد قريب عاشقا للسكر الأبيض وأسفّه سفّا، ولهذا صرت سيئ الظن بالقهوة العربية لأنها خالية من السكر، ومن ثم بتّ شديد الحساسية تجاه الأكلات العربية، وعلى رأسها الكبسة او المكبوس وهي طبق اسمه يدينه، لأنه يوحي بالكبت والضغط والقهر والقسر، وهناك الفول والـ loof هو الغبي او العبيط، ولو كان في الفول خير لما جعله الخواجات طعاما لحصنهم وأبقارهم التي تعاني من الشيزوفرانيا (كنت حتى قبل سنوات قليلة احسب الشيزوفرانيا طبقا إيطاليا من فصيلة اللزانيا.. بالمناسبة فإن النطق السليم للإسم الإفرنجي لمرض الفصام ليس شيزوفرانيا بل سكتزوفرانيا)، اما الفلسطينيون فقد أطلقوا على أكلتهم الشعبية اسم المنسف، مما أعطى الأمريكان دليلا قويا على ان الإرهاب والخطف والنسف يجري في دماء الفلسطينيين، وهناك العصيدة وهي الوجبة المفضلة للمرأة الكسول، لأنها مثل سلق البيض لا تتطلب أي مهارة في الإعداد، بل ان اسمها يوحي بالكلفتة وكنا على عهد الطفولة عندما يوكل إلينا رعي البهائم، نصنع عصيدة من وراء ظهور أهلنا، فنتقاسم جلب مكوناتها: هذا يأتي بالدقيق، وذاك بالسمن وثالث بالسكر ورابع يسرق اناء الطبخ من بيت ذويه، ثم نحلب الماعز جزئيا، أي لا نجردها تماما من اللبن حتى لا يكشف أهلنا امرنا، ونصب كل تلك العناصر مع بعضها البعض فتكون عصيدة تسبب انتفاخ الحجاب الحاجز، ذلك لأن معظم الدقيق يظل نيئا لأنه يتكور في بعضه عند إضافته إلى سائل، ما لم يتم فركه بمهارة، والأكلة العربية الوحيدة التي مازلت متيما بها هي اللقيمات او الزلابية التي هي بنت عم الدو- نَط، وأستطيع التهام كيلوغرام مكعب منها ثم اشرب كوبين من مسحوق إينو الفوار المزيل لعسر الهضم.
أعود فأقول: انه لو كان العاملون في مجال التغذية والتوعية الغذائية جادين في أداء المهام الموكلة إليهم، لدفعوا لأبي الجعافر مئات الآلاف، وقدموا بثا تلفزيونيا حيا لتجاويف بطنه لأركان الدنيا الاربعة، وهي ترغي وتزبد في محاولة للتخلص من آثار العدوان الذي لحق بها طوال عقود ودهور، كي تكون عظة لمن يعتبر، ولقد رأيت بعيني وخلال فحص بطني بالمنظار بلاوي مخجلة بعضها ساكن وبعضها متحرك، داخل أمعائي الغليظة، وهناك مناطق عجز المنظار عن اختراقها بسبب وجود صخور مرجانية ورسوبية، ووعد الطبيب بالاستعانة بعلماء آثار للتنقيب في تلك المناطق، نظير تقاسم العائد من بيع آثار الحضارة الجعفرية القديمة فيفتي – فيفتي بين الأطراف الثلاثة (قسمة الشيء إلى ثلاثة أنصاف متساوية، عبقرية عربية انتخابية حيث يفوز المرشح – مثلا – بفارق مليوني صوت بينما يكون عدد من لديهم حق التصويت أربعمائة ألف!!!).
ويطيب لي ان أعلن من على هذا المنبر، كامل استعدادي لمساعدة أي باحث في مجال التغذية او الأمراض الباطنة، في الحصول على أعلى الشهادات، إذا ضمن لي ان اعيش بقية عمري في بلد ليس فيه كبسة او فول ومشتقاتهما، ولا تستخدم فيه القضية الفلسطينية نوعا من العصيدة لشحن العقول بمواد تسبب النعاس والخدر الدائم وموت الدماغ!
جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]
Exit mobile version